للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقام إمام آخر لهم وهو " محمد بن أبي عفان الأزدي " واجتمعوا على طاعته ولكنهم نقموا عليه أخيرا أنه تجاوز الحدود وتكبر، فخلعوه سنة ١٧٩هـ وولوا عليهم إماما آخر ويسمى " الوارث بن كعب الخروصي " فأحسن فيهم السيرة وأحبوه، واجتمعت عليه كلمتهم وحارب بهم جيش الخلافة الذي أرسل لإخضاعهم بقيادة عيسى بن جعفر عم الخليفة هارون الرشيد فانتصر الوارث وأخذ عيسى أسيرا وأودع السجن إلى أن قتل، ثم انتهت مدة الوارث ومات غريقا في أثناء محاولته إنقاذ سجناء كان السيل قد داهمهم بعد حكم دام اثني عشر عاما أي أنه تولى إلى سنة ١٩٢هـ.

فبايع الإباضية بعده " غسان بن عبد الله " وكان يوصف بحزم وبأس فأمن البلاد وقضى على الفتن وازدهرت في عهده عمان، بل وحاول أن يوسع نفوذه إلى الهند ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه سنة ٢٠٧هـ. فبايع الإباضية بعده الإمام " عبد الملك بن حميد الأزدي " فسار فيهم سيرة ارتضوها كسابقه إلى أن توفي سنة ٢٢٦هـ. فاختير بعده الإمام " المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي "، فحمد الإباضية سيرته وانتعشت على عهده البلاد وكان رجلا مهيبا حازما لا يجرؤ أحد على التكلم في مجلسه كما يصفه علماء الإباضية (١)، وكون له جيشا كثيفا وأسطولا قويا إلى أن توفي سنة ٢٣٧هـ.

فانتخبوا بعده الإمام " الصلت بن مالك الخروصي " بالإجماع، وقد حدث في أثناء حكمه اعتداء من الحبشة فهاجموا جزيرة سقطرى واحتلوها وقتلوا عامل الصلت عليها، فكون عند ذاك الإمام الصلت جيشا وكون أسطولا يبلغ أكثر من مائة سفينة التحم من الأحباش في معركة انتصر فيها الإمام وانهزمت الأحباش تاركين سقطرة للإمام الصلت، وكانت ولايته طويلة؛ لهذا فقد طلب منه أن يتنازل نظرا للمصلحة في ذلك، فتنازل سنة ٢٧٣هـ وعاش كواحد من الناس إلى أن توفي.

وبعد تنازله عين الإمام " راشد بن النظر اليحمدي الخروصي "، وفي عهده برزت العصبية القبلية بين العدنانية واليمانية واشتد ساعدها حتى كاد أن يذهب ضحية لها؛ فقد أراد خصومه الإطاحة به ولكنه قاومهم في معركة تسمى معركة الروضة انتصر فيها على معارضيه وقتل منهم كثيرا، واستمر أربع سنوات أرغم في نهايتها على التنازل سنة ٢٨٠هـ.

فتولى الأمر بعده الإمام " عزان بن تميم الخروصي " سنة ٢٧٧هـ، واشتد ضرام العصبية القبلية واشتعلت الفتن وأصبح الأمر على غاية ما يتوقع من المكروه فأنشب بأنصاره معركة مع معارضيه فهزمهم، فذهب بعض من المنهزمين مستصرخين المعتضد الخليفة العباسي لنصرتهم على عزان ومن معه، فكانت فرصة ذهبية للعباسيين للانقضاض على عمان والاستيلاء عليها وإعادتها إلى حظيرة الخلافة، فأمر عامله محمد بن بور بفتح عمان فوجه هذا خمسة وعشرين ألفا لفتحها، فلما علم أهل عمان بهذا الجيش خافوا منه وصاروا يتسللون هربا عن الإمام عزان إلى أن بقي معه من بقي، فتقابل مع جيوش الخلافة في معركة انتهت بقتل الإمام بل وبانتهاء الإمامة من عمان لمدة أربعين عاما أي من سنة ٢٨٠ إلى سنة ٣٢٠هـ، حين تولى الإمام " سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب "، وكان مطاعا في الكل موصوفا بالصلاح بينهم إلى أن قتل سنة ٣٢٨هـ. وبعد سعيد بايع الإباضية رجلا أخباره مجهولة عند الإباضية ويسمى " راشد بن الوليد ". يقول عنه محمد السالمي أنه " تولى الإمامة بعد سعيد بن عبد الله وأخباره مجهولة لقلة التواريخ" (٢). وقد حاول أن يصد جيش الخلافة العباسية ولكنه انهزم ثم أمنه العامل العباسي وبعده بقليل مات سنة ٣٤٢هـ، وانتهت الإمامة ودخلت عمان في طاعة الدولة العباسية إلى سنة ٤٠٧هـ.


(١) انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص١٣٥).
(٢) ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>