للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الهندوسية]

نظرة سريعة:

لا يمكن العثور على تعريف جامع للهندوسية؛ لأن فيها مئات كثيرة من المذاهب المتباينة، لكن عندهم عقيدة رئيسية (يؤمن) بها أكثرهم، إن لم يكن كلهم.

- فكلهم يؤمنون بالفيدا، كتابهم المقدس، لكن يوجد غيره مئات الكتب المقدسة.

- وكلهم يؤمنون بالروح الأزلي (آتمان)، وقد يطلقون عليه أسماء أخرى، والإله عندهم ذو ثلاثة أقانيم (حسب الوظيفة التي يقوم بها).

أ- براهمان (الخالق).

ب- فيشنو (الحافظ).

ج- سيفا (المهلك).

وقد تختلف المذاهب عن بعضها في تقسيم الأعمال بين الأقانيم الثلاثة، كما قد يختلف عدد الأقانيم.

- إلى جانب هذا الثالوث، يوجد عشرات الألوف من الآلهة! والنص المقدس التالي من (الفيدا)، هو حوار بين فِشْنو الذي تجسد بصورة إنسان اسمه (كْرِشْنا)، وبين ملك مقدس اسمه (أرجونا) (صار إلهاً فيما بعد)، والحوار يجري في مستهل معركة حربية بين أفراد عائلة صاروا كلهم آلهة.

يروي هذا الحوار شخص اسمه (سامياجا)، كان حاضراً معهما، يرويه لملك آخر اسمه (هاري)، وطبعاً، كل هؤلاء الأشخاص صاروا آلهة يعبدون.

يقول النص:

قال أرجونا: اللغز السامي، الحديثُ المتعلق بالروح التي وهبتَي إياها بالنعمة، بهذه النعمة انتهي ضياعي، وكما أعلنَتْ عن نفسها، هكذا أنت تكون، أيها الرب السامي، لكنني أرغب أن أرى شكلك المقدس، أيها الشخص السامي، وإذا كنت تعتقد أنني أستطيع أن أراك، فأظْهِرْ لي روحك اللافانية، يا رب اليوجا، يا كرشنا.

قال الرب المبارك: شاهِدْ أشكالي يا أرجونا، هي بالمئات وبالآلاف، متنوعة في شكلها ومقدسة، ولها ألوان وهيئات مختلفة ... اليوم، شاهِدْ الكون المتحرك والساكن، وكل ما تريد أن تراه، كله متَّحِدٌ في جسدي يا أرجونا، لكنك لا تستطيع أن ترى بعينيك الإنسانيتين، وسأمنحك أعيناً تفوق الطبيعة، شاهد قدرتي المقدسة.

قال سامياجا: بعد أن تكلم رب اليوجا، أيها الملك هاري، أظهر شكله المقدس السامي إلى أرجونا. لهذا الشكل أفواه وعيون كثيرة، ورؤى عديدة تدهش، وزينات مقدسة، وأسلحة مرفوعة مقدسة، ويلبس الثياب المقدسة، ويتحلى بالعطور والدهون المقدسة، ويتألف من كل الأعاجيب، ويتألق، وغير محدود، ووجهه يلتفت إلى كل اتجاه، ولو شعت ألف شمس في الفضاء، كان من الممكن أن تشبه عظمة الكائن المعظم. هناك شاهد أرجونا الوجود بكامله، بأجزائه العديدة المتجمعة في واحد، في جسد إله الآلهة (١).

- وفي مكان آخر (والمتكلم الآن هو كْرِشْنا):

من لا يتعلق فهمه بأي مكان، من يُخضع ذاتَه ومن يطرد رغبته، يأتي عن طريق الرفض إلى الحالة السامية التي تُصعِّد كل عمل. اسمع إلى ما أوجزه لك يا أرجونا: كيف يصل الإنسان عندما يحقق الكمال إلى براهمان؟ من يكون موهوباً بفهم نقي، ويضبط نفسه، ولا يلتفت إلى مواضيع الحس، ويلقي بالجاذبية والاشمئزاز بعيداً، ويسكن في عزلة، ويأكل القليل، ويضبط كلامه وجسده وعقله، ويعتنق التأمل والتركيز، ويلقي الإحساس بالذات والقوة والتنافر والرغبة والبغضاء، أو الملكية بعيداً، أولا يكون أنانياً، بل هادئاً في عقله، يستحق أن يصبح براهمان.


(١) ((الفكر الفلسفي الهندي)) (ص:٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>