للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما يصبح الإنسان واحداً مع براهمان، ويكون هادئاً في روحه، فلا يحزن، ولا يرغب، وعندما يعتبر كل الكائنات على السواء، ويصل إلى التعبد السامي، إليَّ. بالتعبد يعرفني، ويعرف من أنا، وما هو مقامي، وعندما يعرف من أنا يدخل فيَّ. الرب يسكن قلوب الكائنات، ويجعلها أن تدور بقدرته كأنها على آلة. الْتَجِئ إلى بكل قدرتك يا أرجونا، وبنعمتي تحصل على السلام السامي والمسكن الأبدي. الحكمة أكثر سرية من كل الأسرار التي أعلنتها لك، فكر فيها تماماً، واعمل ما تشاء (١).

- النصان واضحان كل الوضوح، ومع ذلك لا بأس من لفت نظر القارئ إلى بعض النقاط فيهما:

أ- وحدة الوجود في النصين: (شاهد أرجونا الوجود بكامله)، (يصبح الإنسان واحداً مع براهمان).

ب- الرياضة، في النص الثاني: (العزلة والأكل القليل وضبط الكلام والجسد والعقل والتأمل والتركيز).

ج- (إفراغ النفس من كل رغباتها على الإطلاق)، التي تقابل قول المتصوفة: (اخلع نعليك) ... وماشابهها.

د- هذه الأمور هي نفس ما نراه ونسمعه ونقرؤه من أقوال متصوفة المسلمين وفي كتبهم.

هـ- كما يجب ألا ننسى الشبه التام بين قول الهنادكة: (إن البراهمة خلقوا من وجه الإله الأعظم)، وقول المتصوفة المسلمين: (إن محمداً خلق من وجه الله).

كما نلاحظ التوافق بين الكشف (عندما شاهد الرب) والعقائد المسبقة.

ومن يتتبع أقوال المتصوفة ونصوص الفيدا يقف أحياناً على تشابه حتى في المفردات.

- ونص آخر من نصوصهم الكثيرة من (أوبانيشاد شاندوجيا):

١ - حقاً إن هذا العالم كله براهمان. وبهدوء، يعبده الإنسان، لأنه قد أتى منه، وسينحل فيه، ولأنه يتنفس بواسطته.٢ - هو الذي يتضمن العقل، وجسدُه هو الحياة، وشكله هو النور، وفكره الحقيقة، وذاته هي الفراغ، إنه يتضمن كل الأعمال والرغبات والأوامر والأذواق، ويشمل العالم كله، هو الذي لا يتكلم- روحي هذه ضمن قلبي، هي أصغر من حبة أرز، ذاتي هذه هي أعظم من الأرض ومن الفضاء والجو ومن هذه العوالم (٢). (انتهي).

ونص آخر (أوبانيشاد ائتاريا) .... هو براهمان، هو أندرا، هو براجاتي، هو كل هذه الآلهة، هو هذه العناصر، الأرض والريح والفضاء والماء والنور، هذه الأشياء، وتلك التي تمتزج بالنار كما كانت (٣) ...

- أرجو من القارئ الكريم أن يعود إلى أقوال المتصوفة، وخاصة عينية الجيلي ليرى التشابه.

وهذه صور من ضرب الشيش عند الهندوس، أو عند فرقة من فرقهم التي تعد بعشرات الألوف، وهذه الفرقة موجودة في ماليزيا، ويجعلون رأس الآلهة هو سيفاناتراجا، بدلاً من براهمان. ولهم عيد سنوي يحتفلون به هو عيد (تابوزام)، حيث يكون الاجتماع العام على مقربة من أحد مداخل العاصمة (كوالالامبور).هذا العيد المجيد يحتفل به هنود ماليزيا سنوياً في شهر (الكوكب)، حيث يتوسط البدر كبد السماء، ... وذلك تمجيداً لذكرى الإله (سيفاناتراجا) رب آلهة الهندوس (٤) (بالنسة لهذه الفرقة) .. ويبدأ التمجيد أيضاً للإله (مورغان)، وهو حفيد (سيفاناتراجا) (٥) ...

إن الصلاة الهندوسية تقام قبل الاحتفال بالعيد المجيد ... يمتنعون عن ممارسة الحب، ويكتفون بوجبة طعام واحدة نباتية في اليوم ... ثم يدخلون في الصلاة والتأمل والعزلة ... التي تتحول تدريجياً إلى غيبوبة عن هذا العالم (أي: الجذبة).


(١) ((الفكر الفلسفي الهندي)) (ص:٢٣٤، ٢٣٥).
(٢) ((الفكر الفلسفي الهندي)) (ص:١١٢).
(٣) ((الفكر الفلسفي الهندي)) (ص:١٠٩).
(٤) ((أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين)) (١/ ١٦).
(٥) ((أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين)) (١/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>