للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: تمزيق الأمة الإسلامية إلى فرق مذهبية تحارب الإسلام باسم إسلام محرف ينتهجونه]

يمكن أن نميز في الفرق المذهبية عند المسلمين عدة حالات:

أ- فرق ذاتُ منشأ غير صوفي، نشأت فيها طرق صوفية، فشحنتها بالأعداد الكثيرة التي أعطتها الدفع اللازم للاستمرار.

ب- فرق صوفية المنشأ والمسير، يعتبرون أنفسهم صوفية حتى الآن، بينما هم غدوا فرقاً متميزة.

ج- فرق صوفية المنشأ، تطورت حتى نسي أهلها منشأهم الصوفي، وصاروا على دين جديد.

د- فرق لم تنشأ فيها طرق صوفية، فاضمحلت وذابت في إحدى الفرق السابقة أو رجعت إلى الإسلام.

هـ- فرق لم يكن للصوفية فيها دور ملحوظ، ورغم ذلك استمرت مسيرتها، لكنها الآن قليلة الأتباع نسبياً، ولعله لا يوجد منها غير فرقتين: الزيدية بفروعها (السليمانية، والصالحية، والجارودية .. )، والإباضية، مع ملحوظة هامة هي: لو اعتبرت الزيدية الصالحية والسليمانية (فقط) مذهباً خامساً، والإباضية مذهباً سادساً، لما كان هذا الاعتبار بعيداً عن الواقع، مع اعتراض على الإباضية، لقولهم بتكفير علي بن أبي طالب.

وفيما يلي، نستعرض بإيجاز أبرز الفرق في عصرنا الحاضر، التي لعبت الصوفية دورها في وجودها أو في استمراريتها:

الإسماعيلية:

يحتاج التوضيح الموجز إلى دور الصوفية فيها إلى صفحات كثيرة، لذلك نكتفي بإيراد بعض أقوال لبعض الباحثين:

يقول عارف تامر، وهو إسماعيلي من السلمية، في تقديمه لقصيدة عامر بن عامر: ... مما لا ريب فيه أن في القصيدة آراء إسماعيلية ظاهرة، وتعابير إسماعيلية باطنية لا تخفى على المطلعين، ولعل هذا يثبت نظريتنا القائلة بأن المدرستين، الإسماعيلية والصوفية، كانتا متلازمتين تتأثران ببعضهما البعض بالنسبة لوقائع الأزمنة والأحوال (١) ...

ويقول الدكتور سيد حسين نصر: فقد كانت هناك بعض الصلات بين التصوف والتشيع- وعلى الأخص بطابعه الإسماعيلي- كما يبدو مما ذكره إخوان الصفا عن التصوف في رسائلهم، وهم إن لم يكونوا حتماً من أصل إسماعيلي، فهم بلا ريب قد نشئوا في وسط شيعي، واقترن ذكرهم فيما بعد بالحركة الإسماعيلية (٢) ... اهـ.

- وأضيف: إن العقائد والشطحات عند الإسماعيلية بشكل عام، وعند الحسن بن الصباح منذ استيلائه على قلعة (آلَهْ مُوت) في نواحي قزوين سنة ٤٨٣ هـ، وعند خلفائه، بشكل خاص، سواء في الأقوال أو الأفعال، وكذلك عند سنان راشد الدين الذي استولى على عدة قلاع في الشمال الغربي من الشام، في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وما يذكر عنه من خوارق تدل على قيامه بالرياضة الإشراقية، وتقديسهم لابن عربي وأفعاله، وتبنيهم تفاسيره الإشارية، كل هذا دليل على دور الصوفية في الإسماعيلية.

وهذه كلمة لعالم من علمائهم شهاب الدين بن نصر ذي الجوشن الديلمي المينفي (نسبة إلى المينفة في شمال غربي سورية)، تظهر فيها وحدة الوجود إلى جانب العقيدة الرئيسية عندهم، يقول: اعلم أيها الأخ البار الرحيم الرشيد، بأن التوحيد هو صفة الموحَّد المجيد، وهو درجة العقل الفعال، وأحد الحقيقة، والمبدَع الأول، وينبوع الوجود، ومصدر العدد، فمنه إشراق أنوار الكلمة العلية، ومبتدأ الوجود، وابتداع المنزه المعبود، والواحد الفرد الصمد، الذي من جوهرة وجدت الموجودات، فلزمتها صفة الأعداد والأزواج والأفراد، وإليه عودتها حين المعاد (٣) ... اهـ.


(١) ((أربع رسائل إسماعيلية))، في آخر مقدمته على قصيدة عامر بن عامر.
(٢) ((الصوفية بين الأمس واليوم))، (ص:١٣٤).
(٣) ((أربع رسائل إسماعيلية))، ((رسالة مطالع الشموس في معرفة النفوس))، ((مطلع المرتبة الثانية في التوحيد والتنزيه والتجريد)).

<<  <  ج: ص:  >  >>