للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- هنا أذكر تقريراً لصاحب كتاب (الفكر الشيعي والنزعات الصوفية)، يقول: ... وجلا ابن تيمية حقيقة أخرى، حين قرر أن ظهور الأحمدية (الرفاعية)، وإضعافهم الوازع الديني المتصل بالفقه الإسلامي مباشرة، وتخديرهم الناس، وحملهم على الخمول والكسل والتسليم، كان أكبر أسباب ظهور التتار (١). اهـ.

- أقول: إن دور العقيدة التي غرستها الصوفية أقوى من دور الخمول والكسل، ولنسمع شاعرهم يقول:

يا خائفين من التتر

عوذوا بقبر أبي عمرينجيكمو من الضرر (٢)

وهذا تقرير آخر، لأبي الحسن الندوي، يقول: كانت العقائد والتقاليد المشركة نالت رواجاً بين عامة المسلمين باختلاطهم مع غير المسلمين ... وانتشار تعليمات الجهلة والضالة من الصوفية وأعمالهم، فقد وجد عدد وجيه من المسلمين في ذلك الحين يعتقدون في أئمة دينهم ومشايخهم والأولياء والصالحين منهم الاعتقادات الفاسدة ... وكل ما كان يدور حول قبور الأولياء والمشايخ كان تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير المسلمين وقبور المقدسين عندهم، فالاستغاثة منهم والاستعانة بهم، ومد يد الطلب والضراعة إليهم، كل ذلك كان عاماً شائعاً بينهم، كما عمت عادة بناء المساجد الفخمة على قبورهم وجعلها مسجداً، وعقد المهرجانات عليها عاماً فعاماً، وقطع المسافات الطويلة للوصول إليها، وقد تفاقمت هذه العقائد السيئة وانتشرت هذه البدع والمنكرات في أواخر القرن السابع بشكل فظيع (٣) ... إلخ.

- أقول: كل ما كان يدور حول قبور الأولياء والمشايخ، لم يكن تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير المسلمين كما قال أبو الحسن! وإنما هو نتيجة طبيعية للصوفية أينما وجدت، يؤمن به كل الصوفية، لكنهم يظهرونه عندما يأخذون قسطاً كافياً من الحرية، ويكتمونه تقيَّةً عندما تتفتح عليهم أعين المسلمين اعتقاداً منهم أن هذا هو رسالة الإسلام، وقد رأينا من أقوالهم مئات النصوص التي تشير إلى هذا.

وترد هنا ملحوظة هامة، هي أن التتر عرفوا للصوفية فضلها في انتصاراتهم التدميرية وقدروها كثيراً، وأعطوها مركزاً مرموقاً، جعلها تهيمن على كل البلاد التي اجتاحها التتر، وقد جلى هذه الحقيقة أحد مشايخ الرفاعية، هو صالح بن عبد الله البطائحي، عندما قال في صراحة تامة لابن تيمية في مناظرته له في مصر سنة ٧٠٥هـ / ١٣٠٥م: نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر، وأما عند الشرع فلا.

وكان هذا التقدير الكبير للصوفية من قِبَل التتر الذين دمروا البلاد وأهلكوا العباد سبباً آخر لإقبال الناس، من أهل البلاد التي اجتاحها التتر، ومن التتر أيضاً، إقبالاً كاملاً على الصوفية وتقديس مشايخها إلى درجة التأليه، حتى عم البلاء إلا من رحم ربك.

النتيجة:

الصوفية كانت العامل الأساسي الوحيد وراء الاستسلام العجيب لتلك المجازر التي ما عرف التاريخ مثل هولها حتى ظهور الماركسية سنة ١٩١٧م في روسيا، ثم امتدادها بعد ذلك، حيث قتلت من المسلمين وحدهم في مدة (٦٨ عاماً) يزيد عن (١٠٠ مليون نسمة)، واحتلت من أراضيهم ما يزيد عن (٢٣ مليون كيلو متر) مربع، وهي تزحف بإصرار وبأساليب مبنية على القوانين العلمية للقضاء على العالم الإسلامي عامة، والعربي خاصة، والمسلمون هم الذين يمهدون لها الطريق، ويزيلون من أمامها العقبات، ويعدون مقاتلة أعداء الماركسية جهاداً في سبيل الله، ولعلهم لم يشعروا بعد أن الماركسية هي اليهودية، وأنها التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار، وأنها تجند البشر لخدمة اليهود، ولعلهم لم يشعروا بعد أنهم مجروفون فيها بشكل أو بآخر، دون أن يشعروا كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ((غثاء كغثاء السيل)). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ولعلهم لم يشعروا بعد أن الماركسية هي فتنة الدجال، وستبلغ قمتها بظهور المسيح الدجال، ملك اليهود، مع العلم أن أحوال الماركسية وأساليبها وغاياتها (التي لم يشعر بها المسلمون بعد) تطابق أوصاف الرسول لفتنة الدجال مطابقة تامة، وأنها لا تجري بقوى سحرية، وإنما بالدعاية الرمادية الغزيرة منذ عقودها الأولى، حيث اقتنع المسلمون بأوهام لا واقع لها، وصارت عندهم هذه الأوهام حقائق بدهية من طول ما سمعوه من دعاية موجهة وكثرتها، وأصبح المسلمون لا يرون كافراً ولا عدواً للإسلام إلا مَنْ يحارب الماركسية.

المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص ٧٧٦ - ٧٨٢


(١) ((الفكر الشيعي))، (ص:٨٨).
(٢) ((رجال الفكر والدعوة في الإسلام)): (٢/ ١٧٦).
(٣) ((رجال الفكر والدعوة في الإسلام)): (٢/ ١٧١، ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>