للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- أقول: رحم الله ابن الأثير، فلقد رأى الخلق قبل أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا أبشع من تلك الحادثة بكثير بكثير بكثير؟ فالماركسية حتى الآن، وفي أقل من سبعين سنة، قتلت من المسلمين ما يزيد عن ١٠٠ مليون نسمة، واحتلت من أراضيهم ما يزيد عن ٢٣ مليون كيلومتر مربع (أرقام فلكية)، وهي تزحف وتزحف، وتقتل من المسلمين في أفغانستان والحبشة وغيرها ما يزيد معدله عن ١٢٠٠ قتيل يومياً عدا عن أضعافهم من المشردين وعدا عن المجازر الاستثنائية التي جرت وتجري في بلاد العرب وغيرها والتي يذهب ضحيتها عشرات الألوف ومئاتهم في أيام أو أسابيع. والفرق بين حالة المسلمين في ذلك الوقت وبين حالتهم الآن، أنهم في ذلك الوقت كانوا يعرفون أن الذين يقتلونهم هم التتر، أما الآن؟ فيرون ويسمعون ويلمسون ولا يحسون ولا يعرفون؟! وإلى الله المشتكى.

ومنها:

ذكر مسير التتر إلى أذربيجان وملكهم أردبيل وغيرها: .. ثم إنهم ملكوا البلد عنوة في شهر رمضان سنة ثمان عشرة (بعد الستمائة)، ووضعوا السيف فلم يبقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة حتى إنهم يشقون بطون الحبالى، ويقتلون الأجنة، وكانوا يفجرون بالمرأة ثم يقتلونها، وكان الإنسان منهم يدخل الدرب فيه الجماعة فيقتلهم واحداً بعد واحد، حتى يفرغ من الجميع، لا يمد أحد منهم إليه يداً (١) ...

ومنها:

ذكر ملك التتر مراغة: ... وبلغني أن امرأة من التتر دخلت داراً وقتلت جماعة من أهلها، وهم يظنونها رجلاً، فوضعت السلاح، وإذا هي امرأة، فقتلها رجل أخذته أسيراً. وسمعت من بعض أهلها أن رجلاً من التتر دخل درباً فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحداً واحداً، حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده إليه بسوء، ووضعت الذلة على الناس، فلا يدفعون عن نفوسهم قليلاً ولا كثيراً (٢) ...

ومنها:

ذكر دخول التتر ديار بكر والجزيرة وما فعلوه في البلاد من الفساد: ... إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب، وبه جمع كثير من الناس، فلا يزال يقتلهم واحداً بعد واحد، لا يتجاسر أحد يمد يده إلى ذلك الفارس، ولقد بلغني أن إنساناً منهم أخذ رجلاً، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه، ومضى التتري أحضر سيفاً فقتله به. وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلاً في طريق، فجاءنا فارس من التتر، وقال لنا حتى يكتف بعضنا بعضاً، فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم، فقلت لهم: هذا واحد، فلم لا نقتله ونهرب؟ فقالوا: نخاف! فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة، فنحن نقتله، فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل ذلك! فأخذت سكيناً وقتلته وهربنا فنجونا، وأمثال ذلك كثير (٣) ...

- أقول: ما دام القتل مؤكداً، وما دام في الدفاع عن النفس إمكانية للنجاة، إذن، فلم يكن ذلك الاستسلام بسبب الخوف فقط، ولو كان الخوف وحده هو السبب لهربوا على الأقل، إن لم يدافعوا! ولو محصنا الأمور لرأينا أن السبب الأساسي هو (مقام التوكل، أو التسليم، أو عدم الاعتراض)، الذي جرتهم إليه الصوفية، وعلى رأسها الرفاعية التي كانت واسعة الانتشار، بسبب ضرب الشيش، والهجوم على النار، وأكل الحيات ... ثم القادرية ثم بقية الطرق.

ومنها:

ذكر وصول طائفة من التتر إلى أربل ودقوقا: ... (يذكر حوادث مذهلة) إلى أن يقول: وعادوا (أي: التتر) سالمين، لم يذعرهم أحد، ولا وقف في وجههم فارس! وهذه مصائب وحوادث لم ير الناس من قديم الزمان وحديثه ما يقاربها! فالله سبحانه يلطف بالمسلمين ويرحمهم ويرد هذا العدو عنهم (٤) ... اهـ.


(١) ((الكامل في التاريخ)) (٩/ ٣٣٩).
(٢) ((الكامل في التاريخ)) (٩/ ٣٨٥).
(٣) ((الكامل في التاريخ)) (٩/ ٣٣٧).
(٤) ((الكامل في التاريخ)) (٩/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>