[المطلب الثاني: الفدائيون]
نظام أوجده الحسن الصباح، وكان مصدراً لكثير من الرعب والهلع، في الأوساط الرسمية والشعبية.
كان للفدائية إقدام وجرأة على التضحية الجسدية فاقت كل تصور، بتصميم وعزم وثبات لا مثيل له في تاريخ الجريمة.
نسبوا أنفسهم إلى آل البيت، واتخذوا ذلك ستاراً لما يقومون به من أعمال لا يقرها العرف والدين.
كان الإرهاب صناعتهم، والفساد شريعتهم، قاموا بأعمال فوضوية اهتز لها العالم الإسلامي ما يقرب من قرنين من الزمان نشروا خلالها الرعب والفزع في النفوس، وقتلوا ما لا يُحصى عدداً من خلق الله.
ذكروا أن الحسن اتبع طريقة للسيطرة على أتباعه سيطرة عجيبة جعلتهم ينفذون أوامره الجهنمية دون توقف، وقد نجح في جعل الشجاعة النادرة وحب المخاطرة والصبر الرباط الذي يربط الأفراد الذين ينتمون إلى هذه الفرقة، فقد كان الفدائي يترقب الفرصة المواتية لتنفيذ مهمته شهوراً بل سنين.
يذكر التاريخ أن الفدائيين الذين كُلفوا بقتل (كونراد) مركيز مونتفرات قد تمكنوا من الإقامة في معسكر الصليبين ستة أشهر كاملة ينتظرون الفرصة السانحة وهم بثياب الرهبان المسيحيين.
لقد كان هدف الحسن أن يعمل من خلال الفدائيين لتكوين مجتمعات إسماعيلية قوية ومنظمة تنظيماً دقيقاً يضمن لها البقاء، ولما تم للحسن السيطرة على قلعة "ألموت" جلب إليها نخبة من المستجيبين للدعوة، المعروفين بتضحيتهم، وأخذ يعمل جاداً على تدريبهم على الطاعة العمياء والإيمان المطلق بما يقوله لهم، وعلى حب المخاطرة والتضحية المطلقة واحتقار الحياة البشرية، وأن قوام الإسلام الصحيح هو بذلك النفس، وأن الحياة الدنيا إنما هي تجربة خالية من النعيم الحق لا تعدل في متاعبها وآلامها ذرة من رغد الحياة الأخرى ونعيمها الباذخ، وأن السبيل الحق إلى اكتساب الجنة والتقلب في نعمائها وسعادتها الخالدة هو اقتداء النفس بعمل من أعمال الدنيا، وأن سلامتهم متوقفة دائماً على فداء أنفسهم، وأن أقل مخالفة تبدر منهم تكون سبباً في وقوعهم تحت العقوبة والمسؤولية إلى الأبد وأن الذي يقدم الطاعة جزاؤه الجنة. نفخ الحسن فيهم حب الفناء في سبيل الدعوة الجديدة، ولما اشتد ساعدهم استقدم لهم أحسن المدربين على استعمال مختلف أنواع الأسلحة المعروفة في ذلك الوقت كما جلب عدة أساتذة لتعليمهم عدة لغات أجنبية ولهجات محلية كان يتكلمها سكان البلاد، أضف إلى ذلك أنه كان يدربهم على استعمال الأحرف السرية وكيفية إخفاء أنفسهم ومن يرافقهم في مهماتهم بحيث لا يبوح الفدائي بسره أو سر الجماعة التي ينتمي إليها، فإذا قبض عليه الأعداء كان يعمد إلى قتل نفسه قبل أن يُجبر على التكلم.
لقد كان الحسن صارماً في تنشئة هؤلاء الفدائيين، قاسياً عليهم أشد القسوة، حتى استطاع أن ينجح في إعداد نخبة ممتازة منهم أصبحوا نواة للحامية الإسماعيلية.
كان الحسن بن الصباح يعلم أن دعوته لا يمكن أن تنجح ضد معاقل الإسلام السني، وأن أنصاره ليس في إمكانهم أن يواجهوا ويهزموا القوة المسلحة للدولة السلجوقية، وأن كثيرين قبله قد نفسوا عن فشلهم في عنف غير منظم، أو تمرد يائس، أو سلبية كئيبة، ولكن الحسن وجد وسيلة جديدة يمكن بها لقوة صغيرة، منظمة ومخلصة أن توجه ضربات فعالة ضد عدو يتمتع بتفوق ساحق، هذه الوسيلة التي اختارها الحسن هي الإرهاب.
كان الاغتيال المنظم أمضى سلاح في يد الحشاشين، وقد كان الرفاق والفدائيون عماد هذا السلاح المروع، لقد أنعشوه كسلاح سياسي ورفعوه إلى مستوى الواجب المقدس، وهذا هو الجانب المثير حقاً في سيرة هذه الجمعية السرية الهائلة.