للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن صراعات الخصوم جعلت منه سلاحاً فعالاً ومقبولاً في نفس الوقت لتصفية الحسابات السياسة والخلافات الدينية والمذهبية، وظهر المنظرون ليضيفوا على منطق العنف العاري غطاءً أيديولوجياً برّاقاً.

وبهذا الإرهاب الذي تلهبه أهداف واسعة النطاق يضمنها برنامج متماسك تُرتكب من أجله الأعمال الإرهابية بسط الحشاشون على المشرق نظام إرهاب حق، وانبث الرفاق والفدائيون شراذم في الأقطار فأظلم بهم وجه الأرض ونجد في تاريخ الإسماعيلية ثبتاً من مشاهير الرجال من جميع الأمم سقطوا ضحايا الإسماعيلية بين غبطة القتلة وأسف العالم.

لقد كان عملهم بمثابة النفوذ المأفون والإساءة في استخدام الدين ببشاعة لخدمة الطموح الرهيب الذي لا يلجمه شيء، وكانوا بحق الإرهابيين الأول الذين استطاعوا تطويع الإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية. يقول شاعر إسماعيلي في امتداح الفدائيين:

"أيها الرفاق .. عندما يأتي وقت النصر ويحالفنا الحظ في الدنيا والآخرة يستطيع محارب واحد يمشي على قدميه أن يبث الرعب في قلب ملك تحت إمرته مائة ألف فارس أو يزيد".

ولتبيان حجم الخطر والرعب الذي شكله الحشاشون بصفة عامة والفدائيون بصفة خاصة فإن التاريخ يذكر أنه لما همّ الملك فيليب السادس ملك فرنسا بالقيام بحملة صليبية لاسترداد الأماكن التي فقدتها النصرانية، بعث إليه القس الألماني "بروكاردوس" الذي قضى فترة من حياته في أرمينيا يحذره من الأخطار التي تنطوي عليها مثل تلك الحملة.

ومن هذه الأخطار كما يذكر ذاك القس: "أذكر الحشاشين الذين ينبغي أن يلعنهم الإنسان ويتفاداهم، وإنهم يبيعون أنفسهم ويتعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء مقابل أجر، ولا يلقون اعتباراً للحياة أو النجاة، وهم يُغيِّرون مظهرهم كالشياطين التي تتحول إلى ملائكة من النور، وذلك أنهم يحاكون الحركات والثياب واللغات والعادات والتصرفات التي تأتيها الأمم والأقوام المختلفة، وهكذا يتخفون في ثياب الشاة لتنفيذ أغراضهم، ويتعرضون للموت بمجرد أن يكتشفهم الناس، وحيث إني في الواقع لم أرهم ولكني أعرف عنهم ذلك بالشهرة والكتابات الصحيحة فحسب، لذلك لا يمكنني أن أستطرد أكثر من ذلك أو أعطي مزيداً من المعلومات، ولا أستطيع أن أبين كيف يمكن لأحدٍ أن يعرفهم من واقع عاداهم أو غيرها من العلاقات، لأنهم فيما يتعلق بهذه الأشياء غير معروفين لي وللآخرين كذلك، كما لا أستطيع أن أبين كيف يمكن أن يعرفهم بأسمائهم إذ إنهم بسبب بشاعة مهنتهم، وكراهية الجميع لهم يحاولون إخفاء أسمائهم بقدر ما يستطيعون ولذا فلست أعرف سوى وسيلة واحدة لوقاية الملك وحمايته، وهي أنه لا ينبغي السماح بإعطاء وظائف القصر الملكي أو أية خدمة فيه مهما كانت صغيرة أو مختصرة أو متواضعة إلا للمعروفين تماماً، كما لا ينبغي السماح لأحد بدخول القصر إلا لهؤلاء الذين تُعرف بالتحديد دولتهم وحكامهم ونسبهم وحالتهم، أي ينبغي باختصار أن يكون الشخص المسموح له بالاقتراب من الملك معروفاً تماماً".

فالحشاشون كما يراهم هذا القس كانوا قتلة مأجورين، سريين من نوع خطر وذوي مهارات خاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>