للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تقرير كتبه مبعوث أرسله الإمبراطور "فريدريك بريروسة" إلى مصر وسوريا، كتب هذا المبعوث يقول "لاحظ أنه يوجد عند تخوم دمشق وأنطاكية وحلب جنس معين من العرب يعيشون في الجبال يسمون أنفسهم بالحشاشين، ويُعرفون في الرومانية بسادة الجبل، هذه السلالة من الرجال يعيش أفرادها بلا قانون .. وهم يعيشون في الجبال في شبه منعة كاملة وراء أسوار قلاعهم الحصينة .. ولهم سيد يُلقي أشد الرعب في قلوب كل الأمراء العرب القريبين والبعيدين على السواء وكذا يخشاه الحكام المسيحيون المجاورون لهم، لأن من عادته أن يقتلهم بطريقة تدعو للدهشة، وهذه الطريقة كالتالي: ... يربي عديداً من أبناء الفلاحين الذين يأخذهم منذ طفولتهم المبكرة، وهناك يجري تعليمهم لغات مختلفة كاللاتينية والإغريقية والرومية والعربية وغيرها، وهؤلاء الشبان الصغار يلقنهم معلموهم من شبابهم المبكر إلى رجولتهم الكاملة أن عليهم أن يطيعوا سيد القلعة في كل ما يقوله أو يأمر به، وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنه سوف يهبهم مسرات الفردوس، وهم يلقنون كذلك أن لا أمل لهم في النجاة إذا قاوموا إرادته في أي شيء، ولاحظ أنهم منذ الإتيان بهم أطفالاً لا يرون أحداً سوى معلميهم وأسيادهم ولا يحصلون على أي تعليم آخر، وفي الوقت نفسه وعلى فترات متفاوتة يجري استدعاؤهم إلى حضرة الأمير فيسألهم عما إذا كانوا راغبين في إطاعة أوامره من أجل أن يمنحهم نعمة الفردوس، وعندئذ ينفذون ما تلقنوه بدون اعتراض أو ريبة فيرمون بأنفسهم تحت قدميه ويجيبون بحماسة أنهم سوف يطيعونه في كل ما يأمر به، وحينئذ يقوم الأمير بإعطاء كل منهم خنجراً ذهبياً ويرسلهم لقتل من يشاء من الأمراء".

وكتب المؤرخ الألماني "أرنولد أوف لوبيك" يقول: "سوف أحكي الآن أشياء عن هذا الأمر قد تبدو غريبة ولكن أكد صحتها لي شهود يوثق بهم، لقد استطاع هذا الشيخ بطرقه السحرية أن يغري قومه بأن يعبدوه ولا يقتنعوا بإله سواه، وأغراهم بطريقة غريبة مستخدماً الآمال والوعود بالمسرات والبهجة الخالدة حتى جعلهم يفضلون ألموت على الحياة، إن إيماءة منه كافية لأن تجعل الكثيرين منهم يقفزون من فوق الأسوار المرتفعة فُتدق أعناقهم وتتحطم جماجمهم ويموتون ميتة بائسة، وهو يؤكد لهم أن أسعدهم مآلاً الذين يسفكون دماء الآخرين ويلقون حتفهم بالتالي انتقاماً لفعلتهم، ولذا فإنهم –عندما يختار بعضهم للموت بهذه الطريقة- يعدون أنفسهم لاغتيال من يحددهم ببراعة ثم يسلمون أنفسهم للموت سعداء جزاء لما يفعلون، والشيخ يقدم لهم بنفسه خناجر مخصصة لهذه المهمة ثم يشملهم على نحو يجعلهم ينغمرون في حالة من الوجد والابتهاج الغامر ونسيان أي شيء آخر ويعرض عليهم بسحره أحلاماً خيالية ومسرات وبهجات كبيرة أو بالأحرى مبهرجة زائفة ويعدهم بأن هذه الأشياء ستكون خالصة لهم جزاء لهم".

إن مثل هذه الحملة من الإرهاب المنظم يلزمها مطلبان واضحان: التنظيم والأيديولوجية، فينبغي أن تكون هناك منظمة قادرة على أمرين: شن الهجوم وتحمل الضربة المضادة التي لا شك في مجيئها، وينبغي أن تكون هناك عقيدة تلهم وتدعم المهاجمين إلى درجة مواجهة ألموت، وهذه العقيدة في مثل ذلك العصر والمكان لا يمكن أن تكون سوى الدين وذلك ينطبق على كل عصر.

وهذان العاملان كانا موجودين، فالعقيدة الإسماعيلية المعدلة مع ذكرياتها عن الألم والاستشهاد وغير ذلك كانت بمثابة القضية التي تدعم معتنقيها بالكرامة والشجاعة وتلهمهم الولاء الذي لا نظير له من قبل في التاريخ الإنساني، وقد كان ولاء الحشاشين الذي خاطروا بألموت بل وأحبوه من أجل سيدهم عنواناً على الإيمان والتضحية بالذات قبل أن يكون عنواناً على القتل.

وكان هناك أيضا التنظيم الهادئ إلى جانب الحمية المتوقدة في عمل الحشاشين، ويبدو هذا واضحاً في عديد من المبادئ، فإن استيلاءهم على القلاع والحصون أمدهم بالقواعد الآمنة كما أن مبدأ السرية الذي اشتق من نظرية التقية أفادهم سواء من حيث الأمن أو التضامن، وقد كان عمل الحشاشين تدعمه الاعتبارات الدينية والسياسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>