للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: الحدود الخمسة في العقيدة الإِسماعيلية مبدأ أساسي في التوحيد والإِيمان، (هو أن توحيد الله لا يكمل إلا بمعرفة مراتب الحدود الروحانية، والحدود الجسمانية، والإِيمان بهم وطاعتهم طاعة تامة، وهذه الحدود هي: (العقل، والنفس، والجد، والفتح، والخيال). وهذه الحدود العلوية ممثولات لحدود الدين الجسمانية الذين هم النطقاء، والأوصياء والأئمة والحجج والدعاة) (١).

وذهب الفاطميون كذلك إلى أن الله تعالى أبدع العقل الكلي وبوساطته وجدت النفس الكلية، وبوساطتها وجدت المخلوقات كلها. فالعقل الكلي عند الإِسماعيلية هو الخالق الحقيقي، ومن هنا قالوا أن أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن الكريم هي أسماء للعقل الكلي، واعتبروا أن الإِمام الفاطمي ممثل للعقل الكلي، وأن جميع مناقب العقل الكلي وصفاته تطلق أيضًا على الإِمام) (٢).

وجاء دعاة الدروز وأخذوا آراء الفاطميين في الحدود، وحوروها حتى تتفق مع مبادئهم وآرائهم، فخالفوا بذلك آراء الفاطميين مخالفة جوهرية. من ذلك: (أن الحدود الروحانية هم نفسهم الحدود الجسمانية، فلا يوجد عندهم مثل وممثول، أي أن الحدود الجسمانية هم أنفسهم الحدود العلوية، فذهبوا إلى أن المعبود أبدع من نوره العقل الكلي، وهو الإِرادة، وهو علة العلل، وهو القلم، وهو القضاء، وهو ألف الابتداء وألف الانتهاء، وهو قائم الزمان حمزة بن علي) (٣).

ويناقش حمزة رأي الفاطميين في حدود الدين في (رسالة كشف الحقائق) فيقول:

(اعلموا معاشر الموحدين رحمكم البار العزيز الجبار، بأن جميع المؤمنين والشيوخ المتقدمين تحيروا في أمر السابق وضده التالي ونده، فبعضهم قالوا: بأن السابق هو الغاية والنهاية، والعبادة له وحده دون غيره في كل عصر وزمان، وهذا نفس الكفر. وقالت طائفة منهم: إن السابق نور الباري، لكنه نور لا تدركه الأوهام والخواطر، وهذا نفس الشرك بأن يكون الباري سبحانه لا يدرك، وعبده لا يدرك، فأين الفرق بين العبد والمعبود، وهذا محال ونفس الشرك والضلال) (٤).

وهكذا أظهر حمزة الحدود في صور تختلف عما عهده أصحاب العقيدة الفاطمية، فحمزة بن علي هو نفسه العقل الكلي، وهو الإِرادة، وهو علة العلل، وهو القلم، وهو القضاء إلى غير ذلك من الألقاب التي منحها لنفسه، وهذا العقل الكلي ليس هو السابق، إنما السابق مرتبته أقل بكثير من مرتبة العقل الكلي، فإنه في المرتبة الرابعة من مراتب الحدود عند حمزة. كذلك عن التالي، وهو النفس الكلية عند الفاطميين، فقد جعل حمزة مرتبة التالي في المرتبة الخامسة، وجعل الفاطميون – الكلمة – مكونة من السابق والتالي، بينما جعل حمزة – الكلمة – هي المرتبة الثالثة من مراتب الحدود) (٥). (وجميع هؤلاء الحدود مشخصون ليس في زمن الحاكم وحسب، بل في جميع العصور) (٦). فقد زاروا العالم بظروف وأدوار مختلفة. إذ هم ليسوا مولودين بل موجودين، لا يمسهم الموت، إذ هم الروح الحقيقي الذي لا يخلوا منه عصر، وهم رسل الحاكم في كل دور وإن أخذوا أسماء مختلفة وأقمصة متعددة.


(١) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١١٠).
(٢) أحمد الفوزان: ((أضواء على العقيدة الدرزية))، (ص ٣٥).
(٣) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١١٠).
(٤) رسالة ((كشف الحقائق)).
(٥) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١١٢).
(٦) عبد الله النجار: ((مذاهب الدروز والتوحيد))، (ص ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>