للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستدل الدروز بآيات من القرآن الكريم ليثبتوا فيها اعتقادهم بالتناسخ، مؤولين معناها ليتفق مع ما يزعمون، ومن ذلك ما استدل به الأستاذ فؤاد الأطرش من آيات القرآن الكريم، زاعمًا أنها تدل على التناسخ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا [النساء:٥٦] (كيف تكفرون بنعمة الله، وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) (١). (لا ينفع نفسًا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرًا) (٢). مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه: ٥٥] يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم: ١٩].

ويزعم الأستاذ الأطرش أيضًا: (أن تشبيه النفس بالأرض إثبات مادي على التقمص لا يقبل الجدل، فلنتأمل في أدوار الأرض ومواسمها وموتها ثم حياتها. والإِنسان يرفض هذه الفكرة لأنها تناقض مبدأ الذاتية وتحطم أحلامه، ويضع الإِنسان أمام الواقع الروحي موضع المنافح في سبيل خلاصه من أسر مادية التفكير والحياة) (٣).وبسبب اعتقادهم بالتقمص، يعتقدون أيضًا بالنطق، (والنطق هو: أن الروح حين تنتقل من جسد إلى جسد تحمل معلومات عن دورها في الجيل السابق – يعني في الجسم الذي كانت تتقمصه قبل قميصها الحالي، وفي هذه الحالة تتحدث أو تنطق بما تذكره من وقائع عن حياتها السابقة) (٤).ولكن هناك من الدروز مثل الأستاذ عبد الله النجار، من ينفي نظرية (النطق) هذه من أساسها، ويعتبرها خرافات ومن سذج العامة ويستشهد على ذلك بنصوص من رسائلهم، ومما ذكره نقلاً عن الرسالة ٦٧: (فإن قال قائل: ما لنا لا نعرف ما مضى من الأدوار؟ قال له المحتج بالحقيقة: إنك لو ذكرت، وعرفت، لشاركت المبدع في غيب حكمته، ولكان ذلك عجزًا من الباري، ولكان يفسد النظام) (٥).

غير أن الدكتور سامي مكارم يقول في معرض ردِّه على الأستاذ النجار: (ويمكننا القول أن منطق عملية التقمص لا يتعارض مع تذكر الماضي، خاصة عندما ندرك أن نزعات الفكر اللطيفة، حسب عقيدة التوحيد، تنطوي عند الموت، في أعماق النفس المتنقلة من جسد إلى جسد. وهذه النزعات والأفكار اللطيفة، كبذور انطلاقة الحياة التالية، هي التي تحدد وضع التقمص المقبل، فلابد لبعض الأذهان إذا صادفت بعض الحالات المناسبة، أن تتذكر الماضي المباشر الذي كانت تعيش فيه) (٦).

ولابد لنا – بعد ذلك – إلا أن نرجح الرأي الذي يقول باعتقاد الدروز بـ (النطق)، ذلك لأن كتاب أضواء على مسلك التوحيد، كان في الحقيقة ردًا من مشيخة العقل عندهم على الأستاذ عبد الله النجار.

أما الحلول: فهو نوع من التقمص، لكنه يختلف عنه في أن النفس المنتقلة من جسم إلى آخر، تنتقل معها أحيانًا جميع صفاتها، أو بعض صفاتها البارزة. ومن ذلك نشأ الاعتقاد أن نفوس الأنبياء والمرسلين تنتقل من دور إلى دور، مستكملة أروع صفاتها، فحمزة بن علي في دور الحاكم هو نفس سلمان الفارسي في دور النبي صلى الله عليه وسلم) (٧).وقد استنتج الدكتور محمد كامل حسين من نظرية التناسخ هذه: (أن لهذه العقيدة علاقة بمذهب التناسخ في الديانة البوذية، والديانة الهندوكية، ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة (٨).وفي الديانة الهندوكية ظهر شيفا على صور أنسية عديدة، كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وقدمائهم، ففي ديانة قدماء اليونان تظهر آلهتهم في صور مختلفة، وعند فلاسفة اليونان التناسخ عندهم عدة أقسام: نسخ ومسخ وفسخ ورسخ) (٩).

وهكذا نستطيع أن نربط هذا الاعتقاد، بهذه الاعتقادات التي كانت سائدة في فارس والهند واليونان

المصدر:عقيدة الدروز عرض ونقض لمحمد أحمد الخطيب – ص ١٤٢


(١) وقد وردت الآية هكذا، ويلاحظ أن (كلمة نعمة) غير موجودة في الآية، والصحيح (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ * البقرة: ٢٨*.
(٢) وقد زاد في الآية أيضا كلمة (إن) والصحيح لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ * الأنعام ١٥٨*.
(٣) فؤاد الأطرش: ((الدروز مؤامرات وتاريخ وحقائق))، (ص ١٨٧ – ١٨٨).
(٤) د. مصطفى الشكعة: ((إسلام بلا مذاهب))، (ص ٢٨٠).
(٥) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد))، (ص ٦٩ – ٧١).
(٦) د. سامي مكارم: ((أضواء على مسلك التوحيد))، (ص ١٢٧).
(٧) أمين طايع: ((أصل الموحدين الدروز)): (ص ١٠٠ – ١٠١).
(٨) راجع كتاب ((البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإسلامية المتطرفة)) – محمد علي الزغبي – وعلي زيعور، (ص ١٤٧ – ١٤٩).
(٩) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>