للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملاحظ في رسائل حمزة أن العذاب الواقع بالإِنسان يكون بنقلته من درجة عالية إلى درجة دونها من درجات الدين، ويستمر تنقله من جسد إلى جسد بتناسخ روحه وتقمصها في الأجساد، وهو كلما تنتقل روحه من جسد إلى جسد تقل منزلته الدينية. أما الجزاء في الثواب مادام يتكرر في الأجساد فهو زيادة درجته في العلوم الدينية وارتفاعه من درجة إلى درجة) (١).

وهكذا تمر النفس في دورانها بحالات مختلفة وتظل كذلك حتى تتطهر – إن كانت صالحة -، وبعد هذا التطهير يكون الزمن الذي يعقب قيام القيامة التي يترقبها الدروز، أما النفس الشريرة فتظل معذبة بجميع أنواع العذابات المعروفة. والعذاب الأكبر هو عذاب الضمير، وعذاب الندم على ما فات، لأنها لم تنتفع من أدوارها الماضية) (٢).وهم يعتقدون أنه: (كلما مات إنسان انتقلت روحه لمولود جديد، ويسمى ذلك عندهم الفرقة والخلقة، ويشبهون النفس بالسائلات التي تحتاج إلى إناء يضبطها فإذا كسر فلابد من تلقي السائل في إناء غيره لئلا يهرف ويضيع) (٣).

وبناء على ذلك فإذا مات أحد من مذهبهم فإنه يولد ثانية على نفس هذا المذهب، ولهذا فلا يقبلون أحدا في مذهبهم حتى ولو اطلع الإِنسان على كتبهم وعرف ديانتهم واعتقد صحتها وسلك بموجبها فلا فائدة من ذلك، بل حين موته ترجع روحه إلى مذهبه القديم. وكذلك إذا انتقل أحد من مذهبهم إلى غيره، فإنهم لا يعترفون بذلك، لأن روحه في النقلة الأخرى ستعود إلى مذهبه القديم (٤).

يقول الدكتور سامي مكارم عن هذه النقطة: (ففي عقيدتهم أن الذين نقلوا الدعوة وتعرضوا إلى الحقيقة في الماضي لا يزالون يولدون من تقبل الدعوة.

كذلك فإن التقمص في معتقد التوحيد ليس تطورًا للروح في هذا الدور، بل هو تقلب الروح في شتى الأحوال، لكي يتسنى لها أن تختبر هذه الأحوال.

فمن لم يتقبل نداء الحق، حسب معتقد التوحيد، لا يمكنه إلا أن يحصد نتيجة أعماله في حيواته التالية، وكذلك هي الحال بالنسبة لمن تقبل هذا النداء وتعرف إلى الحقيقة. والتقمص يتضمن – عند الدروز أيضًا – تمييزًا جنسيًا، فالذكر يولد ذكرًا، والأنثى أنثى) (٥).

ونتيجة لهذه النظرية عندهم؛ فإنهم يقولون: (عن ذوي العاهات والمصابين كالأعمى والأعرج والفقير والجاهل، أن مصابهم هو قصاص عن ذنوبهم في مدة حياتهم السابقة، ويحتجون بذلك على النصارى فيما ورد بالإِنجيل حينما سأل الرسل السيد المسيح: عن ذلك الأعمى هل هو أخطأ أم أبواه؟ حتى ولد أعمى، ويقولون: إنه إذا كان قد أصيب بالعمى وقت ميلاده لخطيئته ظهرت منه. ويعتقدون أيضًا: أن إيليا النبي هو يوحنا المعمدان، وأن المسيح أي حمزة أخبر عنه في إنجيل متى: بأن يوحنا هو إيليا، ويجعلون هذا برهانا على التقمص، وهكذا يجعلون الغني والعالم والجاهل، إنما استحقوا ذلك مكافأة لهم) (٦).


(١) مصطفى غالب. ((الحركات الباطنية في الإسلام))، (ص ٢٦٣).
(٢) سعيد الصغير: ((بنو معروف الدروز))، (ص ٢٣٩).
(٣) كريم ثابت: ((الدروز والثورة السورية))، (ص ٣٤).
(٤) كريم ثابت: ((الدروز والثورة السورية))، (ص ٤٧).
(٥) د. سامي مكارم: ((أضواء على مسلك التوحيد))، (١٢١ – ١٢٢).
(٦) كريم ثابت: ((الدروز والثورة السورية))، (ص ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>