للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: ختم النبوة في القرآن الكريم:

لقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة وهذا الأصل قال تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: ٤٠].

وعلى قراءة: خاتم بكسر التاء فهذا وصف له، صلى الله عليه وسلم، بأنه ختم الأنبياء، وأنه ليس بعده نبي، وكذا بفتح التاء، فإن كلاً منهما يُستعمل بمعنى الآخر. ويؤكد هذا المعنى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)) (١).

وهذا الأمر أجمع عليه أهل الإسلام، قال الإمام ابن عطية في تفسير قوله تعالى: أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:٤٠] هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفاً وسلفاً متعلقة على العموم التام، مقتضية نصاً: أن لا نبي بعده، صلى الله عليه وسلم".إن القرآن الكريم واسلنة المطهرة يبينان للخلق جميعاً أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، يقول ابن كثير: "أخبر الله تعالى في كتابه ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في السنة المتواترة عنه أن لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل" (٢).

لقد انقطع وحي السماء إلى الأرض بختم نبوة محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:٤٠] أي آخرهم، فخاتم كل شيء أي عاقبته وآخره. قال ابن حيان في تفسيره البحر المحيط: "قرأ الجمهور وخاتم النبيين بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم" (٣).وقال القاسمي في تفسيره محاسن التأويل: "تمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين، وظهر مصداق ذلك بخيبة من ادعى النبوة بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها" (٤).ويقول ابن الجوزي: "ومن قرأ "خاتم" بكسر التاء فمعناه وختم النبيين، ومن فتحها فالمعنى آخر النبيين" (٥).ويقول العلامة ابن كثير: "فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس" (٦).

ولأن الله سبحانه وتعالى جعل نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والرسل أجمعين فقد جعل رسالته عامة للبشر جميعاً يقول تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:١٥٨].يقول الإمام الطبري في تفسيره: "قل يا محمد للناس كلهم إني رسول الله إليكم جميعاً لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض" (٧).


(١) رواه البخاري (٣٥٣٥) ومسلم (٢٢٨٦)
(٢) (([١٦٢٢٨] ابن كثير: ((تفسير القرآن العظيم))، (٣/ ٤٩٣).
(٣) أبو عبد الله محمد بن يوسف بن حيان: ((البحر المحيط))، (٧/ ٢٣٦).
(٤) [١٦٢٣٠])) محمد جمال الدين القاسمي: ((محاسن التأويل))، (٦/ ٤٨٦).
(٥) ابن الجوزي: ((زاد المسير))، (٦/ ٩٣).
(٦) ابن كثير: ((تفسير القرآن العظيم))، (٣/ ٤٩٣).
(٧) أبو جعفر الطبري: ((تفسير الطبري))، (٩/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>