للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأكيداً لهذا المعنى فقد امتلأ كتاب الله تعالى بآيات كثيرة تبين للناس أن صاحب الرسالة الخاتمة، صلى الله عليه وسلم، رسالته عامة للبشر جميعاً يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ [سبأ:٢٨]. وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:١٠٧]. وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:١٥٨].

ولأن الله سبحانه وتعالى جعل الإسلام الدين الخاتم، ورسوله الرسول الخاتم، لذا فقد كمل الدين بالنبوة الخاتمة التي لا نبوة بعدها، يقول تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣].وأخرج الإمام الطبري عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وهو الإسلام. قال أخبر الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز وجل فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً" (١).

ولأن رسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، الرسالة الخاتمة، ولأن دينه خاتم الأديان، لذا كانت معجزته عقلية خالدة، باقية ما بقي الزمان، فقد كانت الرسالات السابقة على الإسلام معجزاتها حسية لا تتجاوز فترة حياة النبي صاحب المعجزة, أما معجزة محمد، صلى الله عليه وسلم، فهي باقية، لأنها تخاطب العقل في كل زمان ومكان.

ولقد تحدى القرآن الكريم أن يأتي العرب وغير العرب بمثل سورة منه فعجزوا عن ذلك منذ نزل القرآن الكريم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول تعالى في عظمة وقوة: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:٨٨].

ويقول الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد: "فهذا القضاء الحاتم منه –تعالى - بأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بشيء من مثل ما تحداهم به ليس قضاء بشرياً، ومن الصعب بل ومن المتعذر أن يصدر عن عاقل التزام كالذي التزمه، وشرط كالذي شرطه على نفسه، لغلبة الظن عند من له شيء من العقل أن الأرض لا تخلو من صاحب قوة مثل قوته، وإنما ذلك هو الله المتكلم، والعليم الخبير، والناطق على لسانه، صلى الله عليه وسلم، وقد أحاط علمه بقصور جميع القوى عن تناول ما استنهضم له وبلوغ ما حثهم عليه" (٢).

والحقيقة كما يقول عفيف طبارة: "إن معجزات الرسل السابقين الدالة على صدق نبوتهم هي وقائع تنقضي، يراها الذين عاصروا الأنبياء فيؤمنون حث الإيمان بمن جاءت على يدهم ولا يراها الذين يأتون من بعدهم، بل تصل إليهم أخبارها فيضعف تأثيرها على الأمم التابعة .. .. والآن بعد أن ترقى العقل وكثرت المعارف ودخلت الشبهات على الأديان ضعف تأثير هذه المعجزات على أتباع الأديان، أو بالأحرى ضعف الإيمان وسرى الإلحاد، فكان الدين بحاجة إلى دلائل وبراهين على صحته غير البراهين السالفة" (٣).

لقد كان القرآن الكريم معجزة محمد، صلى الله عليه وسلم، ومعجزة الدين الخاتم والرسالة الخاتمة: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: ٤٠]


(١) أبو جعفر الطبري: ((تفسير الطبري))، (٩/ ٥١٨).
(٢) محمد عبده: ((رسالة التوحيد))، (ص١٧٠) نقلاً عن ((روح الدين الإسلامي)) لطبارة، (ص٢٧).
(٣) عفيف طبارة: ((روح الدين الإسلامي)) (ص٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>