للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة]

وعلى هذا المعتقد فرقة الإباضية كما تقدم. ومع هذا فإنهم يحكمون على صاحب المعصية بالنار إذا مات عليها، ويحكمون عليه في الدنيا بأنه منافق، ويجعلون النفاق مرادفاً لكفر النعمة ويسمونه منزلة بين المنزلتين أي بين الشرك والإيمان وأن النفاق لا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد.

وهذا قلب لحقيقة النفاق؛ إذ المعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كان نفاقهم في الاعتقاد لا في الأفعال، فإن أفعالهم كانت في الظاهر كأفعال المؤمنين.

أدلتهم:

تلمس الخوارج لما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب بعض الآيات والأحاديث، وتكلفوا في رد معانيها إلى ما زعموه من تأييدها لمذاهبهم، وهي نصوص تقسم الناس إلى فريقين: مؤمن وكافر، قالوا: وليس وراء ذلك الحصر من شيء.

ونأخذ من تلك الأدلة قوله تعالى:

١ - هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [التغابن: ٢].

٢ - وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: ٤٤].

٣ - ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: ١٧].

إلى غير ذلك من الآيات.

ووجه استدلالهم بالآية الأولى:

أن الله تعالى حصر الناس في قسمين: قسم ممدوح وهم المؤمنون، وقسم مذموم وهم الكفار، والفساق ليسوا من المؤمنين، فإذاً هم كفار لكونهم مع القسم المذموم واستدلالهم هذا لا يسلم لهم؛ أن الناس ينحصرون فقط في الإيمان أو الكفر.

فهناك قسم ثالث وهم العصاة لم يذكروا هنا، وذكر فريقين لا يدل على نفي ما عداهما، والآية كذلك واردة على سبيل التبعيض بمن، أي بعضكم كفار وبعضكم مؤمن. وهذا لا شك في وقوعه، ولم تدل الآية على مدعي الخوارج أن أهل الذنوب داخلون في الكفر.

وأما وجه استدلالهم بالآية الثانية:

فقد زعموا أنها شاملة لكل أهل الذنوب؛ لأن كل مرتكب للذنب لابد وأنه قد حكم بغير ما أنزل الله. وقد شملت الفساق؛ لأن الذي لم يحكم بما أنزل الله يجب أن يكون كافراً، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله حين فعل الذنب. وهذا الاستدلال مردود كذلك؛ لأن الآية قد تكون واردة على من استحل الحكم بغير ما أنزل الله، أما أن يدعي الشخص إيمانه بالله ويعترف بأن الحق هو حكم الله فليس الكافر، وإنما هو من أصحاب المعاصي حتى تقام عليه الحجة (١).

وأما وجه استدلالهم بالآية الثالثة:

فهو أن صاحب الكبيرة لا بد وأن يجازى –على مذهبهم- وقد أخبر الله في القرآن الكريم أنه لا يجازي إلا الكفور، والفاسق ثبت مجازاته عندهم فيكون كافراً. وهذا الدليل مردود عليهم، وينقضه أن الله يجازي الأنبياء والمؤمنين وهم ليسوا كفاراً، وبأن الآية كانت تعقيباً لبيان ذلك العقاب الذي حل بأهل سبأ، وهو عقاب الاستئصال، وهذا ثابت للكفار لا لأصحاب المعاصي (٢).وأما ما استدلوا به من السنة على بدعتهم في تكفير العصاة من المسلمين فقد أساءوا فهم الأحاديث وحمَّلُوها المعاني التي يريدونها، ومن تلك الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)) (٣).

ولهم أدلة أخرى نكتفي منها بهذا الحديث.


(١) انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) لهذه الآيات من سورة سبأ. وانظر: ((تفسير الطبري)) (٦/ ٢٥٢)، ((فتح القدير)) (٢/ ٤٥).
(٢) انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) لهذه الآيات من سورة سبأ. وانظر: ((تفسير الطبري)) (٦/ ٢٥٢)، ((فتح القدير)) (٢/ ٤٥).
(٣) رواه البخاري (٥٥٧٨)، ومسلم (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>