[المطلب الأول: القلاع والحصون]
ما كاد الحسن يستقر في بلاد فارس حتى أخذ يعمل جاداً في تنظيم الدعوة وبناء هياكلها بناءً دقيقاً، وكان أول شيء استعمله الحسن هو عنصر الدعوة، فبث رجاله المدربين في المناطق لكسب التأييد الشعبي والتوسع بين الجماهير، لأن الدعوة في نظر الحسن -على الأقل في هذه الفترة- كانت بحاجة إلى انتشار ولم تكن بحاجة إلى انتصار، لذا نجد الحسن حريصاً على إيجاد تنظيم يجمع الناس حول دعوته الجديدة، ووجه جل اهتمامه لاحتلال القلاع والحصون المحيطة به.
كانت القلاع تمثل بالنسبة إلى الحسن بن الصباح الملجأ المنيع الذي يقيه ويحميه من أعدائه وبنفس الوقت يكون مركزاً لنشر دعوته ولتدريب دعاته، خصوصاً وأنها كما قلنا تتسم بالارتفاع الشاهق وبوعورة المسالك المؤدية إليها، وتختلف بالكلية في تركيبها الجغرافي عن بقية البلاد، الأمر الذي يُمكّن المسيطر عليها من بسط سلطانه وسيادته على المنطقة كلها. وبعد مدة طويلة من الدعوة الواسعة القوية، والجهود الجبارة، والنضال المستمر توصل الحسن إلى قلعة "ألموت" (١) الشهيرة بعد أن نجح دعاته في تحويل جنود القلعة إلى المذهب الإسماعيلي.
يقول الحسن في إحدى شذرات حياته: ( ... وقد أرسلت من قزوين مرة أخرى الدعاة إلى قلعة ألموت، واستطاع الدعاة ضم بعض رجال القلعة إلى العقيدة الإسماعيلية ... ).
وكان استيلاؤه على هذه القلعة فاتحة بالنسبة للإسماعيلية في استيلائهم على قلاع وحصون أخرى، إذ ما لبث في القلعة الجديدة طويلاً حتى جمع حوله الإسماعيلية، ففاقت بكثرتهم خراسان، مما حدا بالحسن إلى تنظيم صفوفهم للإغارة على القلاع والحصون المجاورة.
يقول المؤرخ عطا ملك الجويني: (لقد بذل الحسن كل جهد ممكن للاستيلاء على الأماكن الملحقة بـ"ألموت" أو المجاورة لها، وكان يفعل ذلك عن طريق كسب السكان بأخاديعه الدعائية، إذا استطاع، فإذا لم تنطل عليهم حِيَلُه أخذها بالمذابح والسلب والنهب وسفك الدماء والحرب، وبهذا استولى على ما استطاع الاستيلاء عليه من القلاع، وأينما وجد صخرة مناسبة كان يبني فوقها قلعة له).
وعمل الحسن من القلعة على توسيع رقعة دولته الجديدة، وأنشأ دولة إسماعيلية خالصة بحيث يكون جميع من فيها من الحكام والرعايا من الإسماعيليين المخلصين الذين يدينون بالطاعة المطلقة للإمام الذي يتزعم هذه الدولة.
وبالرغم من الملاحقات المستمرة من قبل السلطة السلجوقية، فإن ذلك لم يثن عزم الحسن على الاستمرار في نشاطه الدعوي والعسكري، وقد ساعده على ذلك انضمام جماعة من رجال الدولة وولاتها إليه، منهم الذين ساعدوا الحسن على بسط نفوذه في تلك الأماكن، وفي دفع الخطر السلجوقي الذي كان يهدد الحركة بالقضاء عليها.
لقد كان الاستيلاء على قلعة "ألموت" أول عمل تاريخي بارز في حياة هذه الحركة الباطنية.
أسطورة الفردوس في القلعة:
يزعم بعض المؤرخين أن قلعة "ألموت" عاصمة الدولة الإسماعيلية الجديدة، ومعقل الحشاشين الرئيسي في المنطقة، كانت تحيط بها الحدائق الغنّاء التي تحوي كل الملاذ والشهوات وغيرها من الأشياء الفاتنة التي تسحر الألباب، وأن الحسن بن الصباح جعل من المكان فردوساً خلاباً بغرض التأثير في رجاله وأتباعه والتحكم فيهم.
(١) جعلها الحسن عاصمة للدولة الجديدة، ومركزاً لقيادة جيوشه، ومدرسة لتعليم الدعاة، ويروي المؤرخون أن الذي بني هذه القلعة ملك من ملوك الديلم، إذ كان مغرماً بالصيد، فأرسل ذات يوم عُقاباً، وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة، فوجده موضعاً استراتيجياً حصيناً، فأمر ببناء قلعة عليه، سمّاها "أله ألموت" ومعناه باللغة الديلمية "تعليم العقاب".