للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه]

لقد سبق أن عرضنا موقف الماتريدية من هذه الصفة.

فقد تقدم أنهم عطلوها وحرفوا نصوصها إلى شتى المعاني المجازية كالاستيلاء والتمام، أو القصد، فأرجعوا صفة الاستواء "إلى" صفة "القدرة".وإما إلى صفة "الإرادة" (١).

وكانت لهم حول هذه الصفة شبهات:

فقد قالوا: لو حملنا نصوص "الاستواء على ظاهرها وحقيقتها يلزم منه لله "المكان" "والتغير" و"الانتقال" و"التحيز" وكونه "محدوداً" "محاطاً" وغير ذلك، وهذا كله من أمارات الحدوث والحاجة والنقصان، والله منزه عنها. فالله لا على العرش ولا على غيره، لأن ذلك من صفات الأجسام (٢).

وأيدوا تحريفهم لنصوص الاستواء ببيت مكذوب مصنوع، مفتعل موضوع، منسوب كذباً وزوراً، إلى كافر نصراني مختل العقل مضطرب الكلام وهو "الأخطل".

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق (٣)

ويقول: الكوثري: "وأنى لهم التمسك بآية "الاستواء" والاستواء له معان, وللعرش معان في اللغة" (٤).

وقال: "وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز .... ".

ثم قال الكوثري في تحريفه كلام الإمام مالكٍ: "وإما أن لا يفسر كما قال الإمام مالك وغيره "إن الاستواء معلوم" يعني مورده في اللغة، والكيفية التي أرادها الله مما يجوز عليه من معاني الاستواء مجهولة.

فمن يقدر أن يعينها؟.فتحصل لك من كلام إمام المسلمين "مالك" أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه" (٥).

ويصرح الكوثري أن استواءه تعالى على العرش فعل من أفعاله وليس صفة من صفاته فيقول: "قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى صيغة فعل مقرونة بما يدل على التراخي، وذلك يدل على أن "الاستواء" فعل الله تعالى مقيد بالزمن وبالتراخي شأن سائر الأفعال وعدُّ ذلك "صفة" إخراج الكلام عن ظاهره ... وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا تحدث له صفة فلا مجال لعدّ ذلك صفة" (٦).

قلت: هذا بناء على مذهبهم أن مرجع الصفات الفعلية هو "التكوين" وأن متعلقات "التكوين" من جميع أفعال الله تعالى ليست من صفات الله على الحقيقة، بل هي أمور اعتبارية إضافية، لئلا يلزم قيام الحوادث بالله.

فآيات "الاستواء" ونحو ذلك، ليس من آيات "الصفات" عندهم، وهذا لون آخر من البدع وفي طي هذا الكلام انخراط في تعطيل مبين لا ينتبه له إلا من عرف حقيقة قولهم وقد سبق إبطاله.

ولنا كلام مع الماتريدية في تعطيلهم لصفة "الاستواء" لله تعالى على عرشه من عدة نواح:

الناحية الأولى:

أن عامة شبهاتهم ترجع إلى شبهة "التشبيه".

وقد فصلنا القول في إبطالها في فصل مستقل في الباب الثاني.

الناحية الثانية:


(١) انظر ((التمهيد)) لأبي المعين النسفي (٥/ب)، (٦/أ)، و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (٦/أ)، و ((مدارك التنزيل له)) (١/ ٥٤٢).
(٢) انظر ((التمهيد)) لأبي المعين النسفي (٥/ب)، (٦/أ)، و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (٦/أ)، و ((مدارك التنزيل له)) (١/ ٥٤٢).
(٣) انظر: ((تبصرة الأدلة)) (٧٧/ب)، و ((بحر الكلام)) (ص ٢٥)، لأبي المعين النسفي، و ((البداية)) للصابوني (ص ٤٦)، و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (٦/أ)، و ((المسايرة مع المسامرة)) (ص ٣٥)، و ((التيسير)) للكافيجي الحنفي (ص ١٢٥ - ١٣١).
(٤) ((مقالات الكوثري)) (ص ٣٠٣)، و ((تعليقاته على الأسماء والصفات)) (ص ٤٠٥ - ٤٠٦).
(٥) ((مقالات الكوثري)) (ص ٢٩٤ - ٢٩٥)، وراجع ((تعليقاته على الأسماء والصفات)) (ص ٤٠٥ - ٤٠٦)، و ((تبديد الظلام)) (ص ١١١ - ١١٢).
(٦) ((تبديد الظلام)) (ص٨٥ - ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>