للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العلامة نعمان الألوسي الحنفي: "وأما القائل الذي يقول: إن الله لا ينحصر في مكان إن أراد به أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات، وأنه لا يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله تعالى ليس فوق السماوات، ولا هو مستو على العرش استواء لائقاً بذاته وليس هناك إله يعبد، "ومحمد صلى الله عليه وسلم" لم يعرج إلى ربه تعالى، فهذا جهمي فرعوني معطل".ثم ذكر قاعدة السلف في الألفاظ المجملة (١).قلت: إثبات "المكان" بالمعنى الصحيح - وهو العلو لله تعالى - لا يستلزم أي محذور ولا لوازم باطلةً (٢).

قلت: لقد تبين بهذه النصوص.

أنه لا يلزم من حمل نصوص "العلو والفوقية" على ظاهرها من المعاني الحقيقية المتبادرة إلى الأذهان السليمة أي محذور ما دمنا ملتزمين نفي التكييف والتمثيل.

فلا يلزم من ذلك تشبيه يخالف التنزيه.

ولا يلزم الحد والجهة، والحيز والمكان بالمعاني التي يقصدها هؤلاء المعطلة ولا يلزم كون الله محدوداً متبعضاً متجزياً متناهياً جوهراً وجسماً.

ولا يلزم كون الله محلاً للحوادث ولا لزوم الانتقال ولا التجزي ولا الانقسام.

كما لا يلزم أن يكون كل واحد من الحد والجهة، والحيز، والمكان، قديماً مع الله تعالى لأن الحيز والمكان عند هؤلاء المتكلمين يعد موهوم لا شيء محض كما تقدم.

فلا يلزم تعدد القدماء، وقد تقدم أيضاً أن المراد من الجهة ما فوق العالم غير الله تعالى، وما فوق العالم غير الله تعالى هو أمر معدوم؛ لأن الموجود إما خالق، وإما مخلوق وفوق المخلوق ليس إلا الخالق، فلا يتصور كون الخالص في شيء موجود، إذاً لا يتصور كون موجود قديماً مع الله تعالى، فلا يلزم قدم الحد والجهة والحيز والمكان بالمعنى الذي يريد الماتريدية.

قال شيخ الإسلام: "فقوله: يلزم قدم الجهة أو الانتقال، إنما يصح لو قيل: إنه موجود في سواه، وإما إذا أريد بذلك أنه فوق العالم، أو وراء العالم، وليس هناك غيره، وليس هناك شيء موجود آخر، حتى يقال: إنه قديم. وأما العدم فإن قيل: إنه قديم بهذا التفسير، فهو كعدم سائر المخلوقات، وقدم العدم بهذا التفسير ليس بممتنع ... " (٣).

قلت: ما ذكرنا في هذه المباحث في هذا الفصل من إقامة الحجج الباهرة والبراهين القاهرة على علو الله تعالى على خلقه - من صحيح المنقول وصريح المعقول والإجماع المحقق والفطرة السليمة لنسف شبهات الماتريدية وبيان أنهم خالفوا النقل والعقل والإجماع والفطرة في آن واحد، وأنهم ليسوا من أهل السنة بل هم من الفرق الجهمية - فيه كفاية لطلاب الحق والإنصاف،، والله حسب عصبة التعصب والاعتساف،،

فإنهم لا يدفعون حماقتهم بالندامة،، ولو أطلبت لهم الملامة،،

فهم كما قيل:

وشيخ عن الحمق لا ينتهي ... أطلتَ له اللومَ أم لم تطل

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٢/ ٥٧٥


(١) ((جلاء العينين)) (ص ٣٨٥)، عن شيخ الإسلام.
(٢) كما حققه ابن رشد في ((مناهج الأدلة)) (ص ١٧٦ - ١٧٧)، وانظر: ((اجتماع الجيوش)) (ص ٣٢٤).
(٣) ((مختصر الفتاوى المصرية)) لشيخ الإسلام، اختصار بدر الدين البعلي (ص ٥٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>