للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول: الصوفية والتصوف لغةً

١ - تعريف الصوفية والتصوف في اللغة:

- ورد في الصحاح أن الصوف للشاة، ويقال كبش صاف أي كثير الصوف.

- وصاف السهم عن الهدف مال وعدل، والمضارع منه يصوف ويصيف.

- ويرى صاحب (المصباح المنير) أن كلمة صوفية كلمة مولدة لا يشهد لها قياس ولا اشتقاق في اللغة العربية. وعلى هذا تكون كلمة تصوف مبتدعة محدثة وغير معروفة عند العرب الأوائل ولا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

٢ - أصل كلمة صوفية واشتقاقها:

إن الذين تحدثوا عن التصوف والصوفية اختلفوا في أصل الكلمة واشتقاقها وكذلك اختلفوا في نسبة الصوفية اختلافاً كبيراً، وإن المؤيدين والمعارضين للتصوف لم يتفقوا على نسبة للتصوف، كما أن الصوفيين أنفسهم لم يتفقوا على شيءٍ من ذلك، وأحاول جاهداً ذكر أقوالهم في ذلك وأدلتهم والاعتراضات على ذلك.

١ - ذهب الكلاباذي إلى أن أصل الصوفية ينتسبون إلى الصفاء وأنهم سموا صوفية لصفاء أسرارهم وشرح صدورهم وضياء قلوبهم.

والذي ذهب إلى ذلك نظر إلى حال الصوفية الأوائل ولم ينظر إلى الاشتقاق اللغوي لذلك يرى القشيري أن هذه النسبة غير صحيحة لغة لأننا لو نسبنا أحداً إلى الصفاء لقلنا صفائي.

كما أن صفاء القلوب ونقائها ومعرفة الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل، وادعاء الصوفية ذلك تزكية لأنفسهم والله عز وجل يقول فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:٣٢]

وخيار الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يكن أحدهم ليزكي نفسه بل كان يعمل العمل ويسأل الله القبول ويخشى عدم القبول.

وقد قال زكي مبارك إن نسبة التصوف إلى الصفاء ليس إلا حذلقة من بعض الصوفية.

٢ - وقال آخرون إن الصوفية نسبة إلى أهل الصفة وهم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينزلون في مكان خلف الحجرات في المسجد النبوي وعرف المكان باسمهم وكانوا متفرغين للعبادة وللمجاورة وهم فقراء المهاجرين الذين ليس لهم مأوى.

وهذا الكلام لا يستقيم بالنظر إلى الاشتقاق اللغوي لأن النسبة إلى أهل الصُفَّة صُفي وليس صوفي.

ثم إن مكان أهل الصفة لم يكن مخصصاً للعبادة بل كانوا يذهبون للعبادة والصلاة في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النزلاء ينزلون فيه حيث لا مأوى لهم ولا عمل يرتزقون منه فكان أحدهم إذا وجد عملاً وبيتاً وزوجةً ترك مكان الصفة وذهب إلى عمله وهو ليس خاصاً بأحد بل هو مكان لعامة المسلمين وآحادهم.

ولم يكن انتسابهم إليه شرفاً لذلك كانوا يزيدون وينقصون وكان بعضهم لا يطول مقامه فيه بل بحسب ما يتيسر له العمل والبيت. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل إليهم بما يكون عنده من طعام.

وادعاء بعض المتصوفة أن اشتقاق التسمية من صُفَّة المسجد إنما يهدف إلى ربط نشأة التصوف بعهد النبي صلى الله عليه وسلم وكأن النبي قد أقرهم على منهجهم في الاعتزال والتجرد والتواكل وهذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم في التوكل والجد والاجتهاد وطلب الرزق، وسنته وتعاليمه خير شاهد على ذلك.

٣ - وقيل إن التصوف نسبة إلى الاتصاف بالصفات الحميدة وترك الصفات الذميمة ويرى عبد الله الأمين أن هذه النسبة لم تلق من الاستحسان، فضلاً عن عدم الاستقامة العلمية ما حصرها في نطاق الرأي الضعيف الذي لم ينظر إليه تاريخياً.

والنسبة إلى الصفات ليس صوفي بل صفاتي، والصفاتية المراد بها مثبتةُ الصفات فالبعض يطلقها على المشبهة ويطلقها المؤولة والنفاة على كل من أثبت الصفات بما فيهم السلف الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>