للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:]

أولاً: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة:

لمعرفة حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة؛ لابد أن نسوق شيئاً من أقوالهم في ذلك، فنقول وبالله التوفيق. يقول القاضي عبدالجبار: "اعلم أنه لا خلاف في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... " (١).ويقول في موضع آخر: " ... واعلم أن المقصود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: أن لا يضيع المعروف ولا يقع المنكر، فإذا ارتفع هذا الغرض ببعض المكلفين سقط عن الباقين، فلهذا: قلنا أنه من فروض الكفايات ... " (٢).ويقول الزمخشري: " ... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات ... " (٣).

من هذه الأقوال؛ يتضح حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة، وهو أنه واجب كفائي.

أدلة المعتزلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه كفائي:

أ- أدلة المعتزلة على وجوبه:

يقول القاضي عبدالجبار: "والذي يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... الآية [آل عمران: ١١٠]. يقول القاضي: فالله تعالى مدحنا على ذلك، فلولا أنها من الحسنات الواجبات وإلا لم يفعل ذلك.

وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل ... )) الحديث. أما الإجماع: يقول القاضي: وأما الإجماع، فلا إشكال فيه، لأنهم اتفقوا عليه" (٤).

ب- أدلة المعتزلة على أن الأمر بالمعروف ... كفائي:

وأدلة المعتزلة في هذا كثيرة، منها:

من الكتاب: قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: ١٠٤].يقول الزمخشري: " ... إن من في قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ للتبعيض؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات" (٥).ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم - ((وقد سئل وهو على المنبر من خير الناس؟ - فقال صلى الله عليه وسلم: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم)) (٦). ففي هذا الحديث دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب وجوب عين؛ إذ أن الأمر فيه للترغيب، ولو كان واجباً وجوب عين لما كان كذلك (٧).

ثانياً: أقسام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة:

لقد قسم المعتزلة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باعتبارين:

الأول: باعتبار الحكم:

يرى القاضي عبدالجبار: أن مشايخه أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والواجب أن يفصل القول فيه، فيقال: المعروف ينقسم إلى:

أ- ما يجب والأمر بهذا القسم واجب. ب- المندوب إليه: والأمر بهذا القسم غير واجب؛ لأن حال وجوب النهي عنها، لأن النهي إنما يجب لقبحها والقبح ثابت في الجميع (٨).

الثاني: أقسام الأمر بالمعروف ... باعتبار القائمين به:

لقد قسم القاضي عبدالجبار الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، باعتبار القائمين به إلى قسمين:

أحدهما: ما لا يقوم به إلا الأئمة؛ وذلك كإقامة الحدود، وحفظ بيضة الإسلام، وسد الثغور، وتنفيذ الجيوش وما أشبه ذلك. ثانيهما: ما يقوم به غير الأئمة من كافة الناس؛ وذلك مثل: النهي عن شرب الخمور، والزنا، والسرقة، وما أشبه ذلك، ولكن إذا كان هناك إمام مفترض الطاعة، فالرجوع إليه أولى (٩).

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ٢٦٧


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٤٢).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٤٨).
(٣) ((الكشاف)) للزمخشري (١/ ٤٥٢).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٤٥).
(٥) ((الكشاف)) للزمخشري (١/ ٤٥٢).
(٦) رواه أحمد (٦/ ٤٣٢) (٢٧٤٧٤) , قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٦٦): رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٢٨٩٧) , وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لـ ((مسند أحمد)): إسناده ضعيف.
(٧) انظر ((الكشاف)) للزمخشري (ص١) (ص٤٥٢).
(٨) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٤٥)، وانظر ((الكشاف)) (١/ ٤٥٢).
(٩) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>