[المبحث الثاني: تحريف نصوص الكتاب والسنة لنصرة مذهبهم]
إن التحريف في نصوص الكتاب والسنة من الأمور الخطيرة التي تقشعر جلود المسلم من تصورها، حيث أنه تقوّل وافتراء على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وزيادة في كتاب الله وفي حديث نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أن علماء ديوبند لم يبالوا بذلك وحرفوا نصوصاً من القرآن الكريم ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك ترجيحاً لمذهبهم وتأييداً لمسائلهم الفقهية، فإلى الله المشتكى.
يقول الشيخ محمود الحسن الديوبندي في كتابه (إيضاح الأدلة) حماية للتقليد وتأييداً للمذهب الحنفي ما ترجمته:
"كما أن طاعة النائبين بمنزلة طاعة الحكام، كذلك طاعة الأنبياء عليهم السلام وجميع أولي الأمر طاعة لله تعالى بعينها، فمن رأى أن طاعة أتباع الأنبياء وطاعة أولي الأمر ليست داخلة في طاعة الله تعالى فهو كما يظن بعض قليلي الفهم أن طاعة النائبين ليست داخلة في طاعة الحكام. ولذلك قال تعالى: أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:٥٩]. ومعلوم أن المراد من أولى الأمر في هذه الآية هم غير الأنبياء عليهم السلام، فظهر من الآية أن الأنبياء عليهم السلام وجميع أولى الأمر واجب اتباعهم، فأنتم (خطاب لأهل الحديث) قد رأيتم الآية فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:٥٩] ولكن ما علمتم إلى الآن أن القرآن الذي نقلتم منه هذه الآية موجودة فيه أيضاً تلك الآية التي نقلتها أنا، ولا عجب أنكم تفتون بنسخ إحداهما للأخرى ظنّاً منكم حسب عادتكم أنهما متعارضتان".
والجدير بالذكر أنه بعد مرور ثلاثين عاماً على طبع هذا الكتاب، ثم طبعه للمرة الثانية في عام ١٣٣٠هـ ولكنه وللأسف الشديد أن علماء ديوبند لم يحذفوا منه هذه العبارة التي تشتمل على التحريف الواضح البين، ولم يعلقوا عليها شيئاً في الهامش، مع أن علماء أهل الحديث ردوا على مؤلفه وأنكروا على ما جاء به في كتابه من التحريف، بعد طبع الكتاب للمرة الأولى، وكان من الذي ردوا على مؤلف الكتاب المذكور الشيخ محمد بن إبراهيم الجوناكري وذلك في جريدته (أخبار محمدي) التي كانت تصدر في دلهي عاصمة الهند، ثم ذكر ذلك كله في هامش كتابه (طلاق محمدي).
ومن الذين حرّفوا في كتاب الله الشيخ شبلي النعماني (المتوفى ١٣٣٢هـ) الملقب عند الحنفية بحجة الملك والدين وبشمس العلماء، ألّف كتابه (سيرة النعمان) وذكر فيه أحوال الإمام أبي حنيفة - رحمه الله- وسعى جاهداً فيه لترجيح مذهبه على المذاهب الفقهية الأخرى في المسائل المعروفة التي لازالت مختلفاً فيها، ومنها هل الأعمال داخلة في الإيمان أم لا، وجاء بدلائل قاطعة - ظناً منه- على أن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان، ومن هذه الأدلة ذكر آية محرفة من عنده فقال:
"والآيات التي استدل بها الإمام يثبت بها بداهة أن الأمرين منفصلان، لأن في جميع الآيات عطف العمل على الإيمان، وظاهر أن الجزء لا يمكن عطفه على الكل "من يؤمن بالله فيعمل صالحاً: فيه حرف التعقيب، الذي يحصل به فصل قطعي في هذا البحث".
هذه الآية في سورة التغابن، وفيها وَيَعْمَلْ صَالِحًا [التغابن:٩]، ولكن حرّف فيها النعماني ليثبت أن العمل ذكر متعقباً بالفاء ومؤخراً، أي بعد الإيمان مما يدل على أن الإيمان يكتمل دون العمل.