للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: معنى نزعة التشيع]

يقابل الباحث في الشيعة والتشيع مصطلحات تحتاج إلى تحرير وتمييز، ذلك أن مصطلح الشيعة مرّ بعدة مراحل، تطور المفهوم خلالها من مسمى لم يكن يعد قصد أصحابه تفضيل بعض الصحابة على بعض مع الاحتفاظ لهم بالمحبة وسلامة الصدر، إلى مفهوم عقدي ومذهبي لم يكتف منتحلوه بمسألة الاختلاف بالتفضيل بين عثمان وعلي رضي الله عنهما، بل إلى اعتبار علي وصي رسول الله وهو الأجدر والأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر فضلا عن عثمان، بل غالى بعض أصحاب هذه النزعة إلى اعتبار الخلفاء قبله مغتصبين للخلافة، ومن لم ير ذلك من الأصحاب فهو متهم في دينه مختل في عقيدته، ومن هنا انتحلت الروايات في انتقاص الصحابة، والتجني عليهم، في الوقت الذي انتحلت فيه روايات أخرى مبالغة في وصف علي ووصفه بما لا يرضى أن يوصف هو به (١). وعلى ذلك فالشيعة الأولى مصطلح لا يدخل فيما نحن بصدده وحتى نميزه عن غيره نعرف به ونحدد المقصود منه.

الشيعة الأولى:

جاء في (صحيح البخاري) – في كتاب الجهاد – " عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً، فقال لابن عطية وكان علوياً: إني لأعلم ما الذي جرّأ صاحبك- يعني علياً – على الدماء إلخ" (٢).

قال الحافظ في الفتح معلقاً: وقوله " وكان عثمانياً " أي يقدم عثمان على علي في الفضل، وقوله " وكان علوياً " أي يقدم علياً في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة (٣).وقال ابن عبد البر – رحمه الله –: " وقف جماعة من أئمة أهل السنة والسلف في علي وعثمان – رضي الله عنهما – فلم يفضلوا أحداً منهما على صاحبه منهم مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وأما اختلاف السلف في تفضيل علي فقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية، - ثم نقل ابن عبد البر إجماع عامة أهل السنة على تفضيل عثمان فقال: وأهل السنة اليوم على ما ذكرت لك من تقديم أبي بكر في الفضل على عمر، وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي، وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد بن حنبل إلا خواص من جلّة الفقهاء وأئمة العلماء فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان وابن معين، فهذا ما بين أهل الفقه والحديث في هذه المسألة، وهم أهل السنة، وأما اختلاف سائر المسلمين في ذلك فيطول ذكره، وقد جمعه القوم (٤)

وهذا الذي ذكره ابن عبد البر عن مالك في تقديم علي على عثمان ذكر ابن تيمية رحمه الله رواية أخرى عنه تخالفه، حين نقل ما استقر عليه أهل الحديث وأئمة الفقه في ذلك فقال: " وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان، وعليه استقر أمر أهل السنة، وهو مذهب أهل الحديث، ومشايخ الزهد والتصوف، وأئمة الفقهاء كالشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وإحدى الروايتين عن مالك وأصحابه، قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي وغيره إنه بهذا قصد والي المدينة الهاشمي، ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سببا ظاهراُ (٥)


(١) [٩٦٨٣] ورد عن علي بأسانيد جيدة أنه قال لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفترى. ((فتاوى ابن تيمية)) (٢٨/ ٤٧٥). كما جاء ذلك مصرحاً به في الرواية الأخرى في استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأويلين ((صحيح البخاري)) (٨/ ٤٥).
(٢) ([٩٦٨٤]) رواه البخاري (٣٠٨١).
(٣) ([٩٦٨٥]) ((فتح الباري)) (٦/ ١٩١)، (٢١/ ٣٠٦).
(٤) ذكره في كتابه ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) تحت ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٥) [٩٦٨٧] ((منهاج السنة)) (٤/ ٢٠٢). ذكره في كتابه ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) تحت ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>