[المطلب الخامس: تشابه الشيعة واليهود في الوصية بالإمامة:]
ونبدأ باليهود حيث يرى اليهود ضرورة تنصيب وصي بعد النبي صلى الله عليه وسلم -أي بعد نبي اليهود عليه السلام- وهو موسى يقوم مقامه في إرشاد الناس من بعده , وقد جاءت عدة نصوص في التوراة وغيرها من أسفار اليهود تبين أن الله تعالى طلب من موسى عليه السلام أن يوصي ليوشع بن نون قبل موته ليكون مرشداً لبني إسرائيل من بعده, جاء في سفر العدد الإصحاح السابع والعشرين ما نصه: " فقال الرب لموسى: خذ يوشع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه وأوقفه قدام العازر الكاهن وقدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم إلى أن قال ففعل موسى كما أمره الرب أخذ يوشع وأوقفه قدام العازر الكاهن وقدام كل الجماعة ووضع يده عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى " انتهى.
أقول: إخواني في الله هذا النص يدل دلالة واضحة على ضرورة تنصيب وصي بعد موسى عليه السلام ويعرف هذا من عدة أوجه:
الوجه الأول: طلب الله تعالى من موسى أن يوصي قبل موته.
الوجه الثاني: أن مما يدل على أهمية هذا المنصب أن الله تعالى لم يترك الاختيار لموسى أو لبني إسرائيل في اختيار الوصي بعد موسى بل نص عليه سبحانه وتعالى بنفسه وسماه هو يوشع بن نون كما يعتقدون.
ومن هذا النص يمكن أن نستنتج منها نظرة اليهود إلى الوصي والوصية والتي تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: وجوب تعيين الوصي عند اليهود.
ثانياً: أن الله تعالى هو الذي يتولى تعيين الوصي بنفسه.
ثالثاً: أن للوصي عند اليهود منزلة عظيمة تعادل منزلة النبي.
رابعاً: أنه يمكن أن يوحي الله تعالى إلى الوصي كما يوحي إلى النبي.
والآن ننتقل أحبابي في الله إلى اعتقاد الشيعة الإمامية الاثني عشرية في مسألة الوصية بالإمامة وقبل الحديث في عقيدة الوصية عند الشيعة لابد من توضيح منزلة الإمامة من دين الشيعة وذلك لما بين عقيدة الوصية والإمامة عندهم من ترابط كبير. فمنزلة الإمامة عند الشيعة هي ركن من أركان الإسلام ولا يتم إيمان المرء إلا بالإتيان بها, جاء في أصول (الكافي) عن أبي جعفرعليه السلام أنه قال: " بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية " انتهى.
بل إن الإمامة عندهم إخواني في الله مقدمة على سائر أركان الإسلام فقد روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: " بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل فقال: الولاية " انتهى من كتاب (الكافي) المجلد الثاني صفحة (١٨).
إذن الولاية أفضل من الصلاة والزكاة والحج والصوم كما ذكر ذلك الكليني في كتابه (الكافي).
وعندهم أيضاً أحبابي في الله - أي عند الشيعة - أن من أتى بأركان الإسلام يأتي بجميع أركان الإسلام ولم يأت بالولاية فإن تلك الأعمال لا تقبل منه ولا تنجيه من عذاب الله يوم القيامة, وقد بالغ هؤلاء في الإمامة, حتى إنهم زعموا أن الأرض لا يمكن أن تبقى بدون إمام, ولو بقيت بدون إمام ولو لساعة واحدة لساخت بأهلها , فقد روى الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) باباً كاملاً في هذا المعنى عنون له بقوله: " باب أن الأرض لا تبقى بغير إمام ولو بقيت لساخت " ومما أورد تحته من الروايات ما رواه عن أبي جعفر قال: " لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله " انتهى من كتاب (بصائر الدرجات) للصفار صفحة (٥٠٨).
أما عقيدة الشيعة في الوصية فتتلخص إخواني في النقاط التالية: