[المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم]
ويقرب من هذه المسألة ويتعلق بها مسألة أخرى، وهي مسألة قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم حيث أن القوم جعلوا الله معطلا معزولا عن الاختيار والقدرة والاقتدار – عياذا بالله – لأن الاستغاثة والاستعانة والاستمداد والدعاء لا يكون إلا من القادر والمختار، وإن الأنبياء والصلحاء والأولياء انتقلت إليهم قدرة الله وملكه واختياراته – حسب زعمهم – ولم يبق عنده شيء، لذلك على الناس أن يرجعوا إليهم ويراجعوا إياهم، يستغيثوا بهم ويستعينوا منهم ويسألوا عنهم، والله فوض إليهم أموره ولم يبق عنده شيء، وصار متقاعدا متعطلا، عن العمل والقدرة، ونوابه أنبياءه وأولياؤه هم الذين أخذوا زمام الأمور في أيديهم، وهم ملاك الأرض ومن فيها وما فيها، وهم حكام السماء ولهم كلمة مطلقة، ينفذون أوامرهم في الكونين، ويتصرفون فيهما بما يشاؤن، وهم الذين يخلقون، وهم الذين يرزقون، وهم الذين يعطون ويمنعون، وهم الذين يحيون ويميتون، وهم الذين يدبرون الأمر، ومنهم النصر والمدد، ومنهم الشفاء والعطاء، ومن عندهم كل شيء. وليس لله إلا العبادات وهم له شركاء فيها أيضا.
وقبل أن نسرد النصوص من كتب القوم نريد أن نلفت أنظار القراء إلى أن كفار مكة ومشركي الجزيرة وثنيى الجاهلية ما كانوا بأفسد منهم اعتقاداً أو أرداً منهم معتقدا الذين لم يأت إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لبيان ضلالهم وشركهم بالله وإصلاحهم وتطهيرهم من هذه الوثنيات والشركيات. وكذلك الأنبياء والرسل قبله هل جاؤا بشيء غير الرد على مثل هذه الأفكار الباطلة والنظريات الخبيثة الرديئة؟
وهل الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه دعا في حياته المكية طوال ثلاثة عشر سنة إلى غير توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؟
ثم وكيف يستسيغ لقوم ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ويدعون النسبة إلى محمد بن عبدالله رسول الله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حامل لواء التوحيد ورافع رأية وحدانية الله وقدرته واختياراته، والقائل بأمره:
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الدخان:٨].
وبِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك: ١]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون: ٨٨]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: ٨٣]
وإِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: ٥٨]
ووَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا [هود: ٦]
ووَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: ٦٠]
وقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ [سبأ: ٣٦]
واللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: ٢٦]
وغير ذلك من الكثير الكثير الذي ملئ منه الكتاب العزيز الحميد.
نعم كيف يستسيغ لهؤلاء الناس أن يدعوا الإسلام وانتسابهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكروا تعاليمه وإرشاداته وتوجيهاته، ويتنكروا على الآيات التي نزلت عليه، أنزلها رب السماوات والأرض رب العالمين، ونزل بها جبرئيل الروح الأمين على قلب سيد البشر رحمة للعالمين هدى للمتقين وبشرى للمحسنين ورحمة للمؤمنين.