للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: الإسلام والإيمان عند مرجئة الفقهاء]

عندما نقل شيخ الإسلام قول معقل العنسي أن قوما قد أحدثوا، وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين؟

علق عليه بقوله: "قلت: قوله عن المرجئة: إنهم يقولون: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قد يكون قول بعضهم، فإنهم كلهم يقولون: ليستا من الإيمان.

وأما ما الدين، فقد حكي عن بعضهم أنه يقول: ليستا من الدين، ولا نفرق بين الإيمان والدين.

ومنهم من يقول: بل هما من الدين، ويفرق بين اسم الإيمان واسم الدين.

وهذا هو المعروف من أقوالهم التي يقولونها عن أنفسهم، ولم أر أنا في كتاب أحد منهم أنه قال: الأعمال ليست من الدين، بل يقولون: ليست من الإيمان. وكذلك حكى أبو عبيد عمن ناظره منهم (١)، فإن أبا عبيد وغيره يحتجون بأن الأعمال من الدين، فذكر قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] أنها نزلت في حجة الوداع (٢).

قال أبو عبيد: فأخبر أنه إنما كمل الدين الآن في آخر الإسلام في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم هؤلاء أنه كان كاملا قبل ذلك بعشرين سنة، من أول ما نزل عليه الوحي بمكة، حين دعا الناس إلى الإقرار. حتى قال (٣): لقد اضطر بعضهم حين أدخلت عليه هذه الحجة إلى أن قال: إن الإيمان ليس بجميع الدين، ولكن الدين ثلاثة أجزاء: فالإيمان جزء، والفرائض جزء، والنوافل جزء.

قلت: هذا الذي قاله هو مذهب القوم.

وقال أبو عبيد: وهذا غير ما نطق به الكتاب، ألم تسمع إلى قوله: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: ١٩]، وقال: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: ٨٥]، وقال: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: ٣]، فأخبر أن الإسلام هو الدين برمته، وزعم هؤلاء أنه ثلث الدين. قلت: إنما قالوا: إن الإيمان ثلث، ولم يقولوا: إن الإيمان ثلث الدين، لكنهم فرقوا بين مسمى الإيمان ومسمى الدين، وسنذكر إن شاء الله تعالى الكلام في مسمى هذا ومسمى هذا، فقد يحكى عن بعضهم أنه يقول ليستا - يعني الصلاة والزكاة - من الدين، ولا يفرق بين اسم الإيمان والدين، ومنهم من يقول كلاهما من الدين، (ويفرق بين اسم الإيمان واسم الدين) (٤) " (٥).

ولما نقل شيخ الإسلام رحمه الله المباحثة التي دارت بين الإمام أحمد وتلميذه الميموني، وفيها أن الميموني قال: يا أبا عبدالله تفرق بين الإسلام والإيمان؟

قال: نعم.

قال: بأي شيء تحتج؟

قال: عامة الأحاديث تدل على هذا، ثم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) (١) وقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: ١٤].

قلت له: فتذهب إلى ظهر الكتاب، مع السبب؟

قال: نعم.


(١) يعني مرجئة الفقهاء، إذ هو في معرض مناقشتهم. انظر: ((الإيمان))، لأبي عبيد، (ص١٣).
(٢) انظر: ((الإيمان))، لأبي عبيد، (ص١٥ – ١٦).
(٣) القائل هو أبو عبيد، وانظر: تعظيم قدر الصلاة (١/ ٣٥٥).
(٤) ما بين قوسين ساقط من طبعة المكتب الإسلامي، ومستدرك من طبعة ((الفتاوى)) (٧/ ٢٠٨)؛ وطبعا عالم الكتب ت/ الشيباني، (ص٢٣٠).
(٥) ((الإيمان)) (ص١٩٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٠٧ - ٢٠٨)؛ وهذا النقل عن أبي عبيد ليس في المطبوع من كتابه ((الإيمان))؛ وقد نقله عنه أيضا المروزي في تعظيم قدر الصلاة (١/ ٣٥٥ – ٣٥٦ رقم ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>