للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال ما كان من الكمال المستحب: عدم رفع الصوت بالإهلال، والرمل، والاضطباع في الشوط الأول، فهذه أجزاء ينقص الحج بزوالها عن كماله المستحب. وهكذا في أمثلة عديدة حاصلها أن أجزاء الشيء تختلف أحكامها شرعا وطبعا، فلا يلزم من زوال بعض الأجزاء زوال البقية مادام أنها مختلفة فيما بينها (١).

المقام الثالث: إبطال دعواهم أنه لا يجتمع في الإنسان إيمان وكفر، ولا يكون فيه بعض الإيمان وبعض كفر. فإن قولهم هذا قول "غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والتابعين لهم بإحسان مع مخالفة صريح المعقول" (٢).وحال من يظن الإجماع على ذلك كما قال شيخ الإسلام رحمه الله "من الناس من لا يعرف مذاهب أهل العلم، وقد نشأ على قول لا يعرف غيره، فيظنه إجماعا" (٣)، ويكون" معتقدا أنه متمسك بالنص، والإجماع" (٤).وقد لفت شيخ الإسلام على سبب جرأة أهل الكلام على حكاية إجماع لا يمكنهم إثباته، فقال: "ثم هؤلاء يحكون إجماعات يجعلونها من أصول علمهم، ولا يمكنهم نقلها عن واحد من أئمة الإسلام، وإنما ذلك بحسب ما يقوم في أنفسهم من الظن، فيحكون ذلك عن الأئمة" (٥).

وفي معرض رده على أحد المتكلمين، قال شيخ الإسلام: "وهذا القول الذي يحكيه هذا وأمثاله من إجماع المسلمين، أو إجماع المليين في مواضع كثيرة، يحكونه بحسب ما يعتقدونه من لوازم أقوالهم.

وكثير من الإجماعات التي يحكيها أهل الكلام هي من هذا الباب، فإن أحدهم قد يرى أن صحة الإسلام لا تقوم إلا بذلك الدليل، وهم يعلمون أن المسلمين متفقون على صحة الإسلام، فيحكون الإجماع على ما يظنونه من لوازم الإسلام.

كما يحكون الإجماع على المقدمات التي يظنون أن صحة الإسلام مستلزمة لصحتها، وأن صحتها من لوازم الإسلام.

أو يكونون لم يعرفوا من المسمين إلا قولين أو ثلاثة، فيحكون الإجماع على نفي ما سواها. وكثير مما يحكونه من هذه الإجماعات لا يكون معهم فيها نقل، لا عن أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، بل ولا عن العلماء المشهورين الذين لهم في الأمة لسان صدق، ولا فيها آية من كتاب الله، ولا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم مع هذا يعتقدون أنها من أصول الدين، التي لا يكون الرجل مؤمنا أو لا يتم دين الإسلام إلا بها، ونحو ذلك" (٦).وهذا ما وقع للمرجئة في هذه المسألة، حيث اعتقدوا أنه لا يجتمع في العبد بعض الإيمان وبعض الكفر، أو ما هو إيمان وما هو كفر، وظنوا أن هذا متفق عليه بين المسلمين؛ فلأجل اعتقادهم هذا الإجماع وقعوا فيما هو مخالف للإجماع الحقيقي، إجماع السلف الذي ذكره غير واحد من الأئمة (٧).

وفي نقض دعوى المرجئة عدم اجتماع الإيمان والكفر في الشخص يقول شيخ الإسلام:"وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة: أن الإيمان يتفاضل، ويتبعض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثق


(١) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥١٧ - ٥١٨، ٥٢٠) (ص٣٩٤ – ٣٩٥، ٣٩٨) ط. ابن الجوزي.
(٢) ((الإيمان)) (ص٣٣٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٥٣).
(٣) ((الإيمان)) (ص٣٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٥).
(٤) ((الإيمان)) (ص٣٨٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠٥).
(٥) ((درء التعارض)) (٥/ ٣٩٠).
(٦) ((درء التعارض)) (٨/ ٩٥ - ٩٦).
(٧) انظر: ((الإيمان)) (ص٣٨٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>