[الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)]
امتازت عقيدة السلف بمزايا عظمية ميزتهم عن جميع العقائد التي قامت على الهوى وما أفرزته العقول البشرية.
لأن العقيدة السلفية مصدرها غير مصدر العقائد البدعية فلا بد أن يحصل بينهم التمايز وإضافة إلى أنها قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدنس بعلم الكلام والمنطق وسائر ما أفرزته عقول فلاسفة اليونان وغيرهم, بل هي عقيدة نقية تملأ النفوس يقيناً وطمأنينة وأتباعها يعظمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجتمعون عليها ولا يتفرقون في ثبات عظيم كثبات عقيدتهم الناصعة التي رضيها الله عزّ وجلّ وهدى أحباءه إليها.
فقد انعكست هذه العقيدة بصفائها على معتنقيها فصاروا أثبت الناس على الحق بخلاف أهل الأهواء الذين تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه وسبب ثباتهم يعود إلى يقينهم بصحة ما هم عليه واقتناعهم به, وهم من أكثر الناس اتفاقاً وأقلهم اختلافاً لأن هدفهم أصبح واحداً وتفكيرهم واحداً وهذا التوحد سببه تمسكهم بعقيدة واحدة, وثقتهم أن السلف من قبلهم كانوا على الحق والصراط المستقيم فاحتذوا أثرهم وسلكوا مسالكهم وأخلصوا في نشر عقيدتهم فملأت الدنيا نوراً وأخرج الله بهم أقواماً من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وكانوا أمة وسطاً عدولاً يستحقون ثناء الله وثناء رسوله عليهم وكانوا من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعدم التفرق في الآراء والأفكار ولا أدل على هذا من أن بعضهم كان إذا اختلف مع آخر في قضية واشتد الخلاف بينهم وخشي أن تكون فتنة كان يترك خلافه لأخيه حباً في اجتماع الكلمة وكراهية للتفرق كما يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولهذا استحقوا أن يسموا أهل السنة والجماعة وهما وصفان يدلان على أفضليتهم وحسن ما هم عليه من السلوك الحميد والمعتقد السليم.
وإذا كنا نذكر سماتهم هنا وسمات غيرهم من أهل الأهواء فإنما ذلك على حد ما قال الشاعر: (وبضدها تتميز الأشياء) والناظر في مذهب السلف والخلف يجد لكل منهم علامات تميزهم نابعة عن اعتقاد كل منهم لأنه كما يقال: (كل إناء بالذي فيه ينضح). فلأهل السنة علامات وصفات ولغيرهم من المخالفين علامات وصفات ولا تشكل على طالب العلم التمييز بينها.
فإن المتتبع لسلوك السلف سيجد أنهم تميزوا بصفات كثيرة منها:
أنهم أعرف الأمة بالحق.
وأرحم الأمة بالخلق.
وأرحم الناس بخصومهم من بعضهم البعض.
ومن أشد الناس رجوعاً إلى الحق وانقياداً له ووقوفاً عنده.
ومن أشدهم رحابة صدر ودماثة خلق وتسامح وإنصاف في حال قدرتهم على المخالفين لهم.
ومن أكثرهم تواضعاً وتلطفاً وأبعدهم عن السباب والفحش وسيء الأخلاق.
لا يشمتون بأحد ولا يظهرون الاستهزاء إلا بالقدر الذي يتبين به غرضهم من الرد على المخالفين إن كان ذلك ضرورياً. ولقد كانت لهم مواقف تشهد بنبل أخلاقهم وحبهم للتسامح والشفقة على المخالفين يتمثلون ما كان عليه نبيهم الكريم من الصبر حينما كان يؤذيه قومه وهو يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (١)
والأمثلة على هذا كثيرة سجلها التاريخ لهم وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة المشرفة ومن ذلك:
- مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.
- مواقفهم تجاه أهل الذمة.
- مواقفهم في حال الحرب مع المخالفين.
- مواقفهم في الحفاظ على العهود والمواثيق.
(١) رواه البخاري (٣٤٧٧).