للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك]

لقد ادعى كثير من متأخري الأشاعرة أن للأشعري قولين في الصفات: التأويل والتفويض، واستقر هذا القول عند الأشعرية حتى أصبح قضية مسلمة لا تقبل الجدال.

ولكن التحقيق يأبى ذلك، إذ أن المتأمل في كتب الأشعري الموجودة ككتاب (الإبانة)، وكتاب (رسالة إلى أهل الثغر)، وكتاب (مقالات الإسلاميين) يجدها متفقة جميعها على قول واحد، وإبطال كل ما سواه، وهذا القول هو إثبات جميع الصفات لله تعالى على ظاهرها، ونفي وإبطال التعرض لها بتأويل، أو تحريف وهذه الكتب تمثل المرحلة الأخيرة التي استقر عليها مذهبه الذي توفي عليه.

وبناءاً عليه فإنه من حكى عنه قولين، بمعنى رأيين سائغين يجوز القول بأحدها فقد غلط عليه، إذ ليس عنده ما يثبت ذلك إلا كلام بعض متأخري الأشاعرة مع مخالفته صراحة لما هو مسطر في كتبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "بل أبو المعالي الجويني ونحوه ممن انتسب إلى الأشعري، ذكروا في كتبهم من الحجج العقليات النافية للصفات الخبرية ما لم يذكره ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابهما، كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثاله، فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية، كالوجه واليد والاستواء، وليس للأشعري في ذلك قولان، بل لم يتنازع الناقلون لمذهبه نفسه في أنه يثبت الصفات الخبرية التي في القرآن، وليس في كتبه المعروفة إلا إثبات هذه الصفات، وإبطال قول من نفاها وتأول النصوص، وقد رد في كتبه على المعتزلة الذين ينفون صفة اليد والوجه والاستواء، ويتأولون ذلك بالاستيلاء، ما هو معروف في كتبه لمن يتبعه، ولم ينقل عنه أحد نقيض ذلك، ولا نقل أحد عنه تأويل هذه الصفات قولين.

ولكن، لأتباعه فيها قولان، فأما هو وأئمة أصحابه فمذهبهم إثبات هذه الصفات الخبرية، وإبطال ما ينفيها من الحجج العقلية، وإبطال تأويل نصوصها.

وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات موافقة للمعتزلة والجهمية، ثم لهم قولان: أحدهما تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي كما ذكره في (الإرشاد)، والثاني: تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي، كما ذكره في (الرسالة النظامية)، وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب، ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات، ومنهم من يقف ويقول: ليس هنا دليل سمعي ولا عقلي لا على إثباتها، ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي. وأبو حامد تارة يثبت الصفات العقلية متابعة للأشعري وأصحابه، وتارة ينفيها أو يردها إلى العلم، موافقة للمتفلسفة، وتارة يقف، وهو آخر أحواله، ثم يعتصم بالسنة ويشتغل بالحديث وعلى ذلك مات" (١) اهـ.

المصدر:الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم - ص ٧٣٧


(١) ((درء التعارض)) (٥/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>