للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد لقد وردت نصوص عدة تأمر بالجماعة وتثني بالنهي عن الفرقة في موضع واحد مع أن الأمر بالجماعة يستلزم النهي عن الفرقة, والنهي عن الفرقة يستلزم الأمر بالجماعة ولو لم يذكر ذلك فكل من أمر بشيء فقد نهى عن فعل ضده, ومن نهى عن فعل فقد أمر بفعل ضده (١) مما يؤكد وجوب الأمر بالجماعة وترك الفرقة والنهي عنها, ومن هذه النصوص قول الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: ١٠٣] ففي هذه الآية أمرنا الله عز وجل بالجماعة ونهانا عن التفرقة (٢) يقول الإمام محمد بن جرير الطبري في تأويل قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وتعلقوا بأسباب الله جميعا يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله. (٣) ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في معنى الآية: فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة (٤). وقال ابن عباس رضي الله عنهما لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها, أما سمعت الله عز وجل يقول: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:١٠٣] (٥).وهذا الأمر بالجماعة عام للأمة في كل زمان وكل مكان هذا حالهم أن يكونوا مجتمعين بحبل الله, فالله سبحانه وتعالى أمرهم بأن يعتصموا بحبل الله جميعا، وجميعا: منصوب على الحال أي: كونوا مجتمعين على الاعتصام بحبل الله (٦).وفي هذه الآية وبعد أن أمرهم سبحانه بالجماعة والتمسك بها إذ به منعتهم وأمنهم، نهاهم عن الفرقة فقال ولا تفرقوا أي: لا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى أمره (٧).يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به, وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة (٨).


(١) ([٣٢]) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (١١/ ٣٦٨) و (١٠/ ٣٠٠) ((روضة الناظر وجنة المناظر)) لموفق الدين عبدالله بن قدامة المقدسي (٢٥ـ ٢٦).
(٢) ([٣٣]) انظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٦٧) ٠ ((فتح القدير)) للشوكاني (١/ ٣٦٧).
(٣) ([٣٤]) ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢١) وذكر المفسرون في المراد بحبل الله ستة أقول: فقيل إن المراد بالحبل: كتاب الله: القرآن، الثاني: إنه الجماعة، الثالث: إنه دين الله وهو الإسلام، الرابع: عهد الله، الخامس: إنه الإخلاص، والسادس: إنه أمر الله وطاعته. وهذا اختلاف في المراد بالحبل في الآية هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد إذ المعنى كله متقارب متداخل. انظر ((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجوزي (١/ ٤٣٣) وانظر ((تفسير القرطبي (٤/ ١٠٢.
(٤) ([٣٥]) انظر ((تفسير القرطبي)) (٤/ ١٠٢).
(٥) ([٣٦]) انظر ((تفسير القرطبي)) (٤/ ١٠٥).
(٦) ([٣٧]) انظر ((زاد المسير)) لابن الجوزي (١/ ٤٣٣).
(٧) ([٣٨]) ((تفسير القرطبي)) (٤/ ٢١)
(٨) ([٣٩]) ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢٢)، ((الشريعة)) للآجري (١/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>