للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية]

للأولياء الحقيقيين كرامات لا تنكر، وقد كان للصحابة رضي الله عنهم من الكرامات ما هو جدير بهم، وكان لغيرهم من الأولياء والعلماء كرامات كثيرة، وهدفنا هنا من ذكر الكرامات وخوارق العادات هو بيان تلك الكرامات والخوارق التي تتم على أيدي أناس ليسوا من أولياء الله، وليس لهم صلاح يؤهلهم لذلك. وبيان أن ذلك من مكائد الشيطان وتلبيسه على الناس بأن يظهر لبعضهم أموراً غيبية تبدو كأنها كرامات من الله للشخص فيتخيل أنه بلغ منزلة عالية فاق فيها غيره من الناس، وأنه أصبح يماثل الأنبياء في كراماتهم وقربه من الله. وهذه الحال كثيرة الوقوع لمن يدعون أنهم أولياء لله، وأكثرهم في الحقيقة أعداء له وموالين لشياطينهم. ومن تلاعب الشياطين بهؤلاء: أن يسمع أحدهم صوتاً من حجر أو شجر أو صنم يأمره وينهاه بأمور في بعضها الشرك بالله فيظن المغرور أن الله خاطبه أو، الملائكة على سبيل الكرامة، ومعلوم أن الله لا يأمر بالفحشاء، والملائكة لا تأمر بالشرك بالله وإنما أولئك هم الشياطين يلبسون عليهم أمورهم كما كانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام أيضاً. وقد يظن هؤلاء أن ذلك وحى من الله عليهم كما حصل لكثير من الذين قلت معرفتهم بالله كالمختار بن أبي عبيد الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كذاب ثقيف وغيره ممن استهوتهم الشياطين. ومنها: أن الشياطين قد تتمثل بصورة المستغاث به من الناس فيظن المشرك بالله أن هذه الصورة هي الشيخ الفلاني أو الولي الفلاني، أو أن ملكاً جاء على صورته، وإنما هو في الحقيقة شيطان تمثل له ليضله. ومنها: أن تخاطب الشياطين بعض العبَّاد الجهال، ويوهمونه أنه المهدي المنتظر وصاحب الزمان الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويغرونه بزخرف القول وشتى الوساوس حتى يصدق نفسه فيدعي المهدية وغير ذلك. بل يبلغ الحال ببعضهم أن يرى الكعبة تطوف به، ويرى عرشاً عظيماً وعليه صورة عظيمة وأنواراً وأشخاصاً تصعد وتنزل فيظنها الملائكة بين يدي الله تعالى وأن الله كشف له النظر إليه. وهذا يتطلب من المؤمن العاقل التنبه لمثل المكائد الشيطانية بلجوئه إلى الله والاهتداء بهدية، وسوء الظن بنفسه الأمارة بالسوء، وأن ينظر إلى نفسه من باب الذل والاحتقار والحاجة إلى ربه، ويزن أعماله بامتثاله أوامر الله واجتنابه نواهيه، فيحكم على نفسه عند ذلك بالتقصير أو القرب من الله تعالى. ويكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء، وأن لا يصدق ما يتراءى له من كرامات تنافي الإسلام، مثل أنواع الكرامات التي تبجح بها بعض غلاة الصوفية لأنفسهم كما ذكرها المناوي، وهي: إحياء الموتى. وقد مثل بأبي عبيد اليسري الذي أحيا دابته بعد ما ماتت، ومفرج الدماميني الذي أحيا الفراخ المشوية، والكيلانى وأبو يوسف الدهمانى الذي أحيا لتلميذه ولده بعد ما مات. ومن الكرامات التي يزعمونها أن الأولياء من الصوفية لهم القدرة على المشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشيء في غير موضعه والمشي على السحاب وتحويل التراب إلى خبز وإبراء الأكمه والأبرص. ويذكر علي حرازم منهم أن الولي يملك كلمة التكوين فإذا أراد شيئا فإنه يقول له كن فيكون. وقد ذكر أمثلة كثيرة في كتابه (جواهر المعاني) لمثل هذا الخلط والكذب على الله وعلى الناس. ومن المعجزات والكرامات التي يملكها الأولياء من الصوفية - حسب زعمهم - سماع نطق الجمادات، كما يزعم ابن عربي الذي ملأ كتبه بأنواع الأكاذيب حول تلك المعجزات والكرامات الصوفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>