للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: ألوهية الحاكم عند الدروز]

لعل أهم عقيدة نراها في كتب ورسائل حمزة بن علي وغيره من الدعاة، أن للحاكم بأمر الله حقيقة لاهوتية لا تدرك بالحواس ولا بالأوهام، ولا تعرف بالرأي ولا بالقياس، ومهما حاول الإنسان أن يفكر فيه لمعرفة كنهه فيه فهو محاولة فاشلة لأن لاهوته ليس له مكان، ولكن لا يخلو منه مكان، وليس بظاهر كما أنه ليس بباطن.

ولا يوجد اسم من الأسماء يمكن أن يطلق عليه، لأنه لا يدخل تحت الأسماء، إذ لا يتصف بصفات، ولا يمكن التعبير عنه بلغة من اللغات.

وهكذا يتفق ذكر التوحيد في رسائل الدروز، وحديثهم عن لاهوتية المعبود، يتفق تمام الاتفاق مع ما ورد في كتب الدعوة الإِسماعيلية عن الله سبحانه وتعالى، ففي كتاب (راحة العقل) لأحمد حميد الدين الكرماني، الذي كان معاصرًا لحمزة بن علي، نجد سورًا كاملاً ذا سبعة مشارع في التوحيد والتقديس، وحديثه في ذلك كله هو حديث رسائل الدروز. فقد جعل الكرماني المشرع الأول: في بطلان كونه تعالى ليسًا (١)، والمشرع الثاني: في بطلان كونه تعالى أيسًا (٢) والمشرع الثالث: في أنه تعالى لا ينال بصفة من الصفات وأنه لا بجسم ولا في جسم ولا يعقل ذاته عاقل ... ثم ختم السور بالمشرع السابع: الذي جعله من قبيل نفي الصفات الموجودة في الموجودات وسلبها عنه تعالى) (٣).

وكنت قد أوردت في فصل سابق رسالة مهمة تتحدث عن هذا المعتقد هي (كتاب فيه حقائق ما يظهر قدام مولانا جل ذكره من الهزل) حيث اتضح لنا من خلافات كيف ينظر حمزة وأتباعه إلى أفعال الحاكم ويظهرونها أفعالاً تدل على الألوهية.

وبما أن عقيدة ألوهية الحاكم، هي المرتكز الرئيسي لعقيدة الدروز فلابد لنا من استعراض بعض ما كتبوه في رسائلهم حول هذا الأمر.

ومع أن الدروز يحاولون – تسترًا وكتمانًا – أن ينفوا هذا المعتقد أمام الآخرين، وذلك تجنبًا لثورة الناس عليهم، وهو ما أمرت به رسائلهم، والذي يفهم منها أنه يجوز للموحد أن ينفي عبادته للحاكم أمام الضد.

وأبدأ أولاً بـ (ميثاق ولي الزمان)، وهو نص العهد الذي وضعه حمزة بن علي ليؤخذ على الداخلين في دعوته:

(توكلت على مولانا الحاكم الأحد، الفرد الصمد، المنزه عن الأزواج والعدد. أقر فلان بن فلان، إقرارًا أوجبه على نفسه، وأشهد به على روحه، في صحة من عقله وبدنه، وجواز أمره، طائعًا غير مكره ولا مجبر.

أنه قد تبرأ من جميع المذاهب والمقالات والأديان والاعتقادات، كلها على أصناف اختلافاتها، وأنه لا يعرف شيئًا غير طاعة مولانا الحاكم جل ذكره، والطاعة هي العبادة، وأنه لا يشرك في عبادته أحدًا مضى أو حضر أو ينتظر، وأنه قد سلم روحه وجسمه وماله وولده وجميع ما يملكه لمولانا الحاكم جل ذكره، ورضي بجميع أحكامه له وعليه، غير معترض ولا منكر لشيء من أفعاله ساءه ذلك أم سره.

ومتى رجع عن دين مولانا الحاكم جل ذكره الذي كتبه على نفسه وأشهد به على روحه، أو أشار به إلى غيره، أو خالف شيئًا من أوامره. كان بريئا من الباري المعبود، واحترم الإِفادة من جميع الحدود، واستحق العقوبة من الباري العلي جل ذكره.


(١) أي محال ليسيته، إذ لو كان ليسا لكانت الموجودات أيضا ليسا، فلما كانت الموجودات موجودة، كانت ليسيته باطلة.
(٢) أي موجود مثل سائر الموجودات المخلوقة.
(٣) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)) (ص ١٠ - ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>