للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية ١) الماتريدي لا يفرق بين صفات الذات وبين صفات الفعل لله تعالى، فهي عنده كلها قديمة، قال "والقول بحدوث شيء منها يؤدي إلى القول بتغير الله وهو يؤدي إلى عبادة غير الله" (١) بينما يفرق الأشعرية بينهما وأشار ابن عذبة في (الروضة) إلى أن الماتريدية يخالفون بذلك رأي أبي حنيفة الذي يوافق مذهب الأشاعرة في التفريق بين صفات الذات وصفات الفعل كما نقله عنه الطحاوي (٢).- وترتب على هذا الاختلاف: خلاف في صفة الحكمة لله تعالى فهي أزلية بمعنى الإتقان والإحكام كما عند الماتريدية وليست كذلك عند الأشعري (٣). وترتب على ذلك تسوية الأشعري بين الإرادة والرضى. واعتبر البزدوي ذلك من جملة مخالفاته لأهل السنة "يريد الماتريدية" (٤). فالماتريدية يذهبون إلى أن الإرادة لا تستلزم الرضى والمحبة.٢) ذهب الماتريدية إلى أن الواجب تحقق الحقيقة في نفسها بحيث تتنزه عن قابلية العدم. أما الأشاعرة فيرون أن الذات مقتضى الوجود (٥).٣) الوجوب عند الماتريدية ليس أمرا زائدا على الذات. وعند الأشاعرة أن الوجوب أمر اعتباري لا وجود له في الخارج (٦).٤) الماتريدية لا يرون تكليف الله لعباده إلا فيما يقدرون عليه. وخالفهم في ذلك الأشاعرة فجعلوا التكليف بما لا يطاق جائزا وخالفهم الإسفراييني والغزالي (٧).٥) الماتريدية يرون أن الله يفعل لحكمة تقتضي الفعل، بينما يرى الأشاعرة أن أفعاله تعالى على الجواز لا على اللزوم. وألزمهم الماتريدية باعتقاد جواز العبث في أفعاله تعالى (٨).٦) ذهب الماتريدية إلى امتناع أن يخالف الله وعيده ووعده، وذهب الأشاعرة إلى جواز إخلاف الله لوعيده (٩).٧) ذهب الماتريدية إلى أن الله لا يفعل القبيح. وقالوا: لا يجوز ما يقوله الأشاعرة من جواز تعذيب المطيعين وتخليد الأنبياء في النار، وإدخال الكافرين الجنة. وعلل الأشاعرة القول بأن الله مالك مطلق يحق له التصرف في عباده كيف يشاء حتى قالوا بجواز عفو الله عن الكافر (١٠).٨) وذهب الماتريدية إلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها وأن معرفة الله بالعقل، حتى قال الصدري التعديل "كل ما هو واجب عقلا فهو حسن عقلا، وكل ما هو حرام عقلا فهو قبيح عقلا ومن هنا قالوا أن العقل آلة في معرفة الله وأنه كاف في إلقاء الحجة على صاحبه ولم يؤمن فهو كافر مخلد في النار. وخالفهم الأشاعرة في ذلك مستدلين بقوله تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: ١٥] (١١) وقالوا "أن إرادة الله في الشرع مطلقة لا يقيدها شيء، فهو خالق الأشياء وهو خالق القبيح والحسن .... ولا عبرة بأوامر العقل، إنما العبرة بأوامر الشارع الحكيم" (١٢).

- وترتب على هذا خلاف آخر وهو:


(١) ((التوحيد)) للماتريدي (٥٣ و ١٠٨).
(٢) ((الروضة البهية)) (ص: ٣٩) لابن عذبة.
(٣) ((اللمع للأشعري)) (ص: ٣٨) ((نظم الفرائد)) (ص: ٢٨).
(٤) ((أصول الدين)) للبزدوي (ص: ٢٤٥) و ((الروضة البهية)) (ص: ١٧).
(٥) ((نظم الفرائد)) (ص: ٣).
(٦) ((نظم الفرائد)) (ص: ٤).
(٧) ((نظم الفرائد)) (ص: ٢٥) و ((التوحيد)) (ص: ٢٢١) و ((اللمع)) (ص: ٦٨) و ((الإرشاد)) (ص: ٢٣٦) و ((الروضة البهية)).
(٨) ((نظم الفرائد)) (ص: ٢٧).
(٩) ((نظم الفرائد)) (ص: ٢٩).
(١٠) ((نظم الفرائد)) (ص: ٣٠) وانظر ((الروضة البهية)) (ص: ٣٢ - ٣٣).
(١١) ((نظم الفرائد)) (ص: ٣٥)، ((الروضة البهية)) (ص: ٣٤ - ٣٧) ((إشارات المرام)) (ص: ٩٣).
(١٢) ((أصول الفقه)) للشيخ محمد أبي زهرة (ص: ٥٥) ((المسايرة)) (ص: ٩٧) لابن الهمام ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: ١٣٧) و ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدية (١/ ٤٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>