للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة اتفق الأشاعرة على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر. أما الصغائر فقد ذكر شارح "المقاصد" اتفاق الأمة عن أن الله تعالى يعفو عنها مطلقاً (١) ويفهم منه أن الأشاعرة مجمعون على ذلك، إلا أن شارح (جوهرة التوحيد) ذكر رأيين في هذه المسألة بعد أن ذكر الاتفاق على ترتيب التكفير على اجتناب الكبائر، فقال: ذهب أئمة الكلام إلى أنه لا يجب التكفير على القطع بل يجوز ويغلب على الظن ويقوى فيه الرجاء، لأنا لو قطعنا لمجتنب الكبائر بتكفير صغائره بالاجتناب، لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنه لا تبعه فيه. وذلك نقض لعرى الشريعة، فقوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: ٣١] معناه إن شئنا حملاً له على قوله: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨].وذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين والمعتزلة إلى أن المكلف إذا اجتنب الكبائر كفرت صغائره قطعاً ولم يجز تعذيبه عليها، بمعنى أنه لا يجوز أن يقع لقيام الأدلة السمعية على عدم وقوعه كقوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ... [النساء: ٣١]، والنظم ظاهر في هذا الثاني وهو أشهر من الأول عندهم، ومبني القولين جواز العقاب على الصغيرة وامتناعه والأول هو الحق (٢). وهذا الكلام يدل على انقسام القوم في غفران الصغيرة إلى رأيين.

أحدهما: القول بأنها تغفر قطعاً نظراً لوعد الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه حيث قال: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: ٣١]، وهذا إيجاب منه تعالى على نفسه بغفران الصغائر إذا اجتنبت الكبائر فلابد وأن الصغائر تغفر لا محالة تفضلاً منه سبحانه. وهذا الرأي هو المذهب المشهور عن الأشاعرة كما ذكر ذلك شارح (المقاصد) الذي يعتبر كتابه من أشهر الكتب التي يعتمد عليها أصحابه.

أما الرأي الثاني فهو القول بأن الصغائر يجوز أن تغفر، ولا نقول بالقطع لأن في ذلك إغراءاً بفعلها، وهو دليل عقلي بحت ولا يخفى ما بين الرأيين من تقارب؛ إذ كلها تتفق على أن الصغائر تغفر إذا اجتنبت الكبائر تفضلا والخلاف في القطع بذلك أو عدمه. ولكن الرأي الذي يسنده الدليل هو القائل بأنها تغفر قطعاً إذا اجتنبت الكبائر لوضوح الأدلة على ذلك، ولا تخفى مؤاخذة صاحبها إن كانت تجره إلى فعل الكبيرة.


(١) شرح ((المقاصد))، (٢/ ٢٣٥)، ودعوى اتفاق الأمة غير صحيح، فخلاف الخوارج مشهور.
(٢) اللقاني، عبدالسلام بن إبراهيم المالكي، ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، (ص: ١٥٨)، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، ط سنة ١٣٧٩هـ - ١٩٦٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>