للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: النجدات]

تنتسب النجدات إلى زعيمهم الأول نجدة بن عامر بن عبد الله بن ساد بن المفرج الحنفي أو الثقفي كما يقول بعضهم. وقد سمي أتباعه بالنجدات العاذرية لعذرهم أهل الخطأ في الاجتهاد إذا كانوا جاهلين بوجه إذا كانوا جاهلين بوجه الصواب فيه، وقد كان نجدة مع نافع يدا واحدة إلى أن نقم عليه أشياء رأى نجدة أنها من البدع المضلة ففارق نافعا واستقل عنه بمن تبعه من أصحابه. ويختلف النقل في مكان خروجه؛ فبعضهم يرى أنه كان من اليمامة ومنها انتشر أمره إلى بقية البلدان وهذا هو المشهور (١)، بينما يذكر الملطي أنه خرج من جبال عمان (٢)، ولم أر فيما تيسر لي الاطلاع عليه أن غير الملطي قد قال بقوله، ويوصف نجدة بأنه كان شجاعا يتابع الغارات على من حوله حتى بلغ ملكه صنعاء جنوبا والبحرين والقطين، أي أنه أخذ مساحات واسعة من الدولة الإسلامية.

ولم يزل في قوته إلى أن اختلف عليه أصحابه وكان أشدهم عليه أبو فديك، وكان نجدة حين علم بتآمره ومن معه على قتله استخفى في قرية من قرى حجر، إلا أنه اكتشف أمره فاستخفى عند أخواله من بني تميم وعندها عزم على المسير إلى عبد الملك بن مروان فأتى بيته ليعهد إلى زوجته بما يلزم، ولكن الفديكية غشوه فقتلوه، وكان يقاتلهم بشجاعة نادرة وهو يتمثل بهذا البيت:

وإن جر مولانا علينا جريرة صبرنا لها إن الكرام الدعائم

وكان قتله في السنة الثانية والسبعين من الهجرة.

وقد تعددت الأسباب التي ثار من أجلها أصحاب نجدة عليه وهي أسباب وقعت متفرقة، إلا أن الحقد الذي امتلئت به قلوب الخارجين عليه ساعد على تجميعها وتضخيمها حتى صارت بحيث لم يطق الفديكيون الصبر على طاعة نجدة فدبروا قتله وقد تم لهم ذلك. ومن هذه الأسباب ما يلي:

أن أبا سنان، ويسمى حي بن وائل، أشار على نجدة بأن يقتل كل من أجابه تقية بعد أخذهم، ولكن نجدة قابله بعنف وشتمه قائلا له: كلف الله أحدا علم الغيب؟ قال: لا، قال: فإنما علينا أن نحكم بالظاهر.

أن نجدة سير سريتين الأولى منهما بحرا والثانية برا، وعند القسمة فضل سرية البحر على سرية البر فأغضب ذلك عطية بن الأسود أحد أتباعه وغضب نجدة أيضا عليه وشتمه، فأخذ هذا يحرض الناس على الخروج عن طاعة نجدة وعصيانه.

ونقم عليه أصحابه بأنه عطل حد الخمر وكان سبب ذلك أن رجلا من عسكره كان يشرب الخمر فبلغوا أمره إلى نجدة، فقال لهم: " إنه رجل شديد النكاية على العدو وقد استنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين "، ولكن هذا الجواب كان غير مقنع لهم.

أنه حين أغار على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت جارية من بنات عثمان بن عفان في يد أحد جنوده فاشتراها منه وردها إلى عبد الملك بن مروان، فأغضب هذا أتباعه وقالوا له: إنك " رددت جارية لنا على عدونا ".

أنه جرت بينه وبين عبد الملك مكاتبات كان عبد الملك يطلب منه الدخول في طاعته وأن يوليه اليمامة ويهدر له كل ما أصاب من مال أو دماء، فقال عطية: ما كاتبه عبد الملك إلا وهو يعرف أنه مداه في الدين.

ومنها أن بعض قومه فارقوه وشرطوا لعودتهم أن يتوب علينا ففعل ذلك، ولكنهم عادوا فقالوا: إنه لا ينبغي لنا أن نستتيبه وهو الإمام وطلبوا منه أن يتوب من توبته تلك؛ فوقع بينهم الاختلاف.


(١) انظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٢٠١)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٢)، ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٧٤)، ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٧)، ((كتاب الأديان)) (ص١٠١).
(٢) ((التنبيه والرد)) (ص٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>