للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه حكم بالشفاعة؛ وذلك حينما كلمه أصحابه في رجل فأعطاه فرسا. ونقموا عليه أيضا عطاءه مالك بن مسمع ما يقدر بعشرة آلاف درهم حين أمر عامله هميان بن عدي السدوسي بذلك (١).

وهكذا ألقت تلك الأسباب الظاهرة وغيرها جوا من العداء المستحكم لنجدة، وهي في ظاهرها حجج واضحة إن صحت نسبتها إليه، ولكن الحقيقة هو أن تلك الأسباب كان لها ما يغذيها وهو التعصب القبلي بين بني حنيفة وبني قيس بن ثعلبة الذي ينتسب إليهم أبو فديك؛ حيث أراد هؤلاء نقل السلطة من يد بني حنيفة إليهم هم، وفعلا تم لهم ما أرادوا وذلك بعد تولية أبي فديك مكان نجدة الحنفي. ثم نقل أبو فديك عاصمة الحكم من اليمامة إلى البحرين مقر قبيلته قيس بن ثعلبة، وبعد قتل نجدة أصبح النجدات على ثلاث فرق؛ فريق ما زال على تأييده له، وفريق مع أبي ثور، وفريق مع عطية بن الأسود الحنفي. أما أبو فديك فقد قتل سنة ٧٣هـ حين أرسل له عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله بن الزبير معمر في عشرة آلاف مقاتل، ساروا حتى التقوا بأبي فديك في البحرين بالمشقر فدارت بينهم معركة أسفرت عن قتل أبي فديك ونزل أصحابه على حكم عمر بن عبيد الله، وقد قتل منهم نحو ستة آلاف وأسر ثمانمائة (٢). وانتهى أمر أبي فديك.

أما عطية فقد لاحقته جيوش المهلب بن أبي صفرة وهو يفر من قطر إلى آخر، حتى لحقته بالسند فقتل هناك وانتهى أمره.

ولقد كانت فرقة النجدات من الفرق المشهورة كالأزارقة، وحينما يذكر العلماء سيرتهم يختلفون، فبينما هم عند المطلي ومن يرى رأيه خرجوا يقتلون الأطفال ويسبون النساء ويهرقون الدماء ويستحلون الفروج والأموال، وإذا هم عند آخرين من الرحماء يجوزون التقية ويرون رد الأمانات إلى أهلها وجوبا، ولم يقبلوا بقتل الأطفال، ويرون المقام بين مخالفيهم لا بأس به، وأنهم يمثلون الاتجاه المعتدل الذي يقربهم إلى آراء عامة المسلمين. وهذا نموذج لتضارب أقوال العلماء عنهم فمنهم من اشتد عليهم حتى حكم عليهم بالكفر الصريح، ومنه من قال عنهم غير ذلك. ومن الذين وقفوا منهم موقف التشدد ونسبوا إليهم الأفعال القبيحة التي تخرج الشخص من الإسلام غير الملطي، صاحب كتاب (الأديان) والدبسي (٣). ومن الذين قالوا عنهم خيرا ونسبوا إليهم الاعتدال واللين في مسامحة مخالفيهم من المسلمين: ابن الجوزي، والأشعري، والبغدادي، والشهرستاني، وغيرهم (٤).

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٠٢


(١) انظر: ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٧٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٨)، ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٢٠٥)، ((البحرين في صدر الإسلام)) (ص١٣٢).
(٢) انظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٣٦٢).
(٣) ((التنبيه والرد)) (ص ٥٥)، ((رسالة الدبسي)) (ص٢٦)، ((كتاب الأديان)) (ص ١٠١).
(٤) ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٩)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٣)، ((البحرين في صدر الإسلام)) (ص١٢٨)، ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>