للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

لم يوجد لعلماء الفرق قانون يسيرون عليه في عدّهم للفرق الإسلامية، بل سلكوا طرقا عديدة، كل واحد منهم يعدها حسب اجتهاده، وما وصل إليه علمه.

وفي هذا يقول الشهر ستاني – رحمه الله-: اعلم أن لأصحاب المقالات طرقاً في تعديد الفرق الإسلامية، لا على قانون مستند إلى أصل ونص.

ثم قال: فما وجدت مصنّفين منهم متفقين على منهاج واحد في تعديد الفرق، ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أنه ليس كل من تميز عن غيره- بمقالة ما في مسألة ما –عُدّ صاحب مقالة، وإلا فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعد. وقال أيضاً: وما وجدت لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمة كيف ما اتفق، وعلى الوجه الذي وجد، لا على قانون مستقر وأصل مستمر (١).

والواقع أننا نجد مصداق كلام الشهرستاني عند تتبع العلماء للفرق، وأقرب مثال لذلك أنك تجد أمهات الفرق عند الأشعري عشر أصناف، وعند الشهرستاني نفسه أربع فرق، وعند غيرهما ثمان فرق، وعند آخرين ثلاثاً، وبعضهم يجعلها خمساً، إلى غير ذلك مما يوحي بعدم وجود قانون لعدّ الفرق مستقلة أو تابعة لغيرها؛ إذا كان هَمُّ الأولين فيما يبدو تسجيل ما يجدون من آراء فردية كانت أو جماعية.

ولعل بعض هؤلاء العلماء اختلط عليه الأمر فيمن يستحق أن يطلق عليه أنه من أهل ملة الإسلام فيعتبر خلافه، أو لا يعتبره من المسلمين فلا يذكر خلافه، وهذه المسألة تحتاج إلى إيضاح نوجز ما ذكره البغدادي عنها فيما يلي:

اختلف المنتسبون إلى الإسلام في الذين يدخلون بالاسم العام في ملة الإسلام، وحاصل الأقوال في هذه المسألة كما يلي:

١ - أن هذه التسمية تشمل كل مقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن كل ما جاء به حق، كائناً قوله بعد ذلك ما كان.

وهذا قول زعيم طائفة الكعبية من المعتزلة أبي القاسم الكعبي.

٢ - أنها تشمل كل من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة.

٣ - أنها تشمل كل من أقر بالشهادتين ظاهراً ولو كان مضمراً للنفاق والكفر.

والواقع: أن تلك الأقوال لا تخلو من إيراد عليها وانتقاد لها، فقول الكعبي الأول، وقول مجسمة خراسان الأخير ينقضه ما وقع من يهود أصبهان من إقرارهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة لا إلى بني إسرائيل، وكذا قال قوم من موشكانية اليهود- نسبة إلى زعيمهم موشكان- فإنهم أقروا بجميع شرائع الإسلام، ونفوا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم نبي إلى كافة البشر، بما فيهم اليهود. ومع ذلك فإنهم ليسوا بمسلمين، ولا تعتبر أقوالهم ضمن أقوال الفرق الإسلامية (٢).


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ١٤).
(٢) انظر: الفرق بين الفرق ص ١٢ - ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>