للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: التعارض والترجيح]

روى الكليني في أصول الكافي عن عمر بن حنظلة قال:

" سألت أبا عبدالله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ [النساء:٦٠] قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران إلى ما كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.

قلت: فإن كان كل رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكون الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما: اختلفا في حديثكم؟

قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قال: قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر؟

قال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيأخذ به من حكمنا. ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك. قلت: فإن كان الخبران عنكما (١) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة، وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟

قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟

قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم، فيترك، ويؤخذ بالآخر.

قلت: فإن وافق حكامهم الخبران جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (٢) هذه الرواية يسميها الجعفرية الرافضة مقبولة ابن حنظلة، وفي باب الترجيح عندهم هي " العمدة في الباب، المقبولة التي قبلها العلماء بأن راويها صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع، أي الذين أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم: كما رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم " (٣) ويقول المظفر: " من الواضح أن موردها التعارض بين الحاكمين، لا بين الراويين، ولكن لما كان الحكم والفتوى في الصدر الأول يقعان بنص الأحاديث، لا أنهما يقعان بتعبير من المحاكم أو المفتى كالعصور المتأخرة استنباطاً من الأحاديث تعرضت هذه المقبولة للرواية والراوي، لارتباط الرواية بالحكم. ومن هنا استدل بها على الترجيح للرواية المتعارضة " (٤). ثم يقول بعد بيان انحصار دليل مخالفة العامة في هذه المقبولة: والنتيجة أن المستفاد من الأخبار أن المرجحات المنصوصة ثلاثة: الشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة. وهذا ما استفاده الشيخ الكليني في مقدمة الكافي (٥).

وهذه المقبولة التي اعتبرت العمدة في باب الترجيح بصفة عامة، والدليل الوحيد على مخالفة العامة –أي جمهور المسلمين – بصفة خاصة، أقول: هذه المقبولة مرفوضة من وجهة نظرنا لما يأتي:


(١) يقصد الباقر والصادق.
(٢) ((الكافي)) (١/ ٦٧ - ٦٨).
(٣) ((أصول الفقه)) للمظفر: (٣/ ٢١٧) ويعني بالمشايخ الثلاثة أصحاب كتب الحديث عندهم وهم: الكليني والصدوق والطوسي.
(٤) ((أصول الفقه)) للمظفر: (٣/ ٢١٩).
(٥) ((أصول الفقه)) للمظفر: (٣/ ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>