[المبحث الثاني: الأصول الأربعمائة]
قال مؤلف كتاب (دراسة حول الأصول الأربعمائة) (ص ٧):
بلغ الرواة عنه – أي الإمام الصادق – أربعة آلاف رجل، وانصرفت طائفة كبيرة من هؤلاء لضبط ما رووه عن الإمام سماعاً في كتاب خاص في مواضيع الفقه والتفسير والعقائد وغيرها، وقد اصطلح التاريخ الشيعي على تسمية هذه الكتب بالأصول، كما حصرها في أربعمائة أصل، وهذا ما نعنيه بالأصول الأربعمائة. ا. هـ
وتحدث المؤلف بعد هذا مباشرة عن الاختلاف حول تحديد مفهوم الأصل، ثم ذكر أسماء أصحاب الأصول، ولكن عددهم لم يبلغ الثمانين، ثم قدم دراسة حول الأصول بصفة عامة، ثم تعريفاً مقتضباً للأصول الموجودة كاملة، أو الموجود قسم منها، وبلغ العدد ثمانية وعشرين.
وانتهى بعد ذلك إلى نتيجة البحث فقال:-
" وقد توصلنا من هذا البحث إلى النتائج التالية ":
أولاً: أن الأصل مما اصطلح عليه علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري.
ثانياً: أن المحدثين ذكروا في تحديد مفهوم الأصل أقوالاً كانت في الغالب مجرد حدس وتخمين كما صرح بذلك السيد محسن الأمين.
وأن لكلمة الأصل معنيين:
الأول: المعنى الاصطلاحي وهو عبارة عن الحاوي للحديث المروي سماعاً من الإمام الصادق غالبا ومن تأليف رواته وقد استشهدنا لذلك بنصوص المتقدمين، وأن أغلب من ذكرهم الطوسي والنجاشي في أصحاب الأصول هم من أصحاب الإمام الصادق ودراسة الأصول الموجودة.
الثاني: المعنى اللغوي بمعنى المصدر والمرجع – كما في عصرنا – وذلك حيث تستعمل في غير كتب الحديث من العلوم المختلفة أو تستعمل قبل القرن الخامس الهجري.
ثالثاً: تحديد زمن التأليف بعصر الإمام الصادق أي من روى عنه وينافي ذلك أن يروى عن أبيه الباقر أو ابنه الكاظم.
رابعاً: إن أريد من الأصل مفهومه اللغوي فأصول أحاديث الشيعة عدداً ستة آلاف وستمائة – تقريباً.
وإن أريد مفهومه الاصطلاحي المذكور فلا يزيد على المائة عددا والمذكور منها في فهرستي الطوسي والنجاشي لا تزيد على نيف وسبعين أصلاً.
خامساً: أن أعيان الأصول قد أهملت نظراً لاحتواء الكتب الأربعة وجوامع الحديث لهذه الأصول وغيرها من مصادر أحاديث الشيعة، ولأجل ذلك استغنى المحدثون عن الأصول بأعيانها لوجود مضامينها ورواياتها في هذه الكتب المتأخر تأليفها زمناً عن زمن تأليف الأصول ولم أقف – حسب تتبعي – للأصول التي ذكرها الشيخ الطوسي على أكثر من ثلاثة أصول موجودة اليوم، ومن الكتب التي وصفت بأنها أصول على أكثر من سبعة وعشرين كتاباً، وعساني أوفق للاطلاع عليها في المستقبل.
ويقول الشهيد الثاني بهذا الصدد: كان قد استقر أمر الإمامية على أربعمائة مصنف سموها أصولاً فكان عليها اعتمادهم، وتداعت الحال إلى أن ذهب معظم تلك الأصول ولخصها جماعة في كتب خاصة تقريبا على المتناول، وأحسن ما جمع منها (الكافي) و (التهذيب) و (الاستبصار) و (من لا يحضره الفقيه). انتهى كلام المؤلف.
ولو صح كلامه فإنه يعني أن التدوين كان للآراء والاجتهادات الفقهية وغيرها، كما كان للأحاديث التي رواها الإمام الصادق، والشيعة يرون أن كل ما صدر عنه يعتبر من السنة، ولكن الإمام الصادق نفسه لا يمكن أن يرى العصمة لنفسه أو حق التشريع، ويندر أن يوجد في عصره من يرى عصمته إلا الغلاة.
فما يصح نقله عن الإمام الصادق لا يختلف عما ثبت عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وغيرهم من الأئمة الأعلام إلا فيما نراه من الاختلاف بين هؤلاء الأئمة المجتهدين أنفسهم. أما ما يدون في عصر الإمام الصادق افتراء عليه فإن الافتراء لا يتجاوز عصره والعصور السابقة، ولا يمكن أن يتصل بمن يأتي بعده مما يعد في علم الغيب. ولسنا هنا في حاجة إلى دراسة هذه الأصول، أو البحث عن أصحابها، ولكن الذي يعنينا هو أن ما يخص الشيعة الاثني عشرية لم يظهر في هذا العصر حتى يدون، ولذا عجبت كل العجب من عنوان أحد هذه الأصول، وقد ذكره المؤلف في ص ٤٧، والعنوان:
" مقتضب الأثر في الأئمة الاثني عشر "! ... ومن غير الممكن على الإطلاق أن يوضع هذا العنوان في عصر الإمام الصادق، فما كان أحد في وقته يعرف أسماء من يأتي بعده، حيث لا يعلم الغيب إلا الله، ولكن يمكن أن يوضع هذا العنوان بعد الإمام الحادي عشر، وتنسب الأقوال المفتراة إلى الصادق أو غيره، هذا هو الواقع الذي يمكن أن يكون. فلو نسب هذا العنوان إلى من عاش في عصر الصادق فإن هذا يعني أن واضع العنوان يفتري على من عاش في عصر الإمام.
وعلى كل حال بعد قراءة العنوان جاء ما يلي:
" تأليف أحمد بن محمد بن عياش الجوهرى، المتوفي سنة ٤٠١ هـ ".
إذن عاش المؤلف بعد الإمام الحادي عشر، بل بين وفاة كل منهما قرن ونصف، فهذا هو الذي يتفق مع ما سبق بيانه.
المصدر:مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص٦٩٣