للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا فإن الرضا لم يدع الإشارة إليه، والوصية والإشهاد على ذلك لأنه لابد منه، إذ السنة جارية من رسول الله بذلك، ومن الأئمة من بعده، وإذ قد فعله أمير المؤمنين بالحسن وفعله الحسن بالحسين مع وصية رسول الله وإشارته إليه أن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ، ولا عم، ولا ابن عم، ولا ولد ولد مات أبوه في حياة جده، ولا يزول عن ولد الصلب، ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد. فهذه سبيل الإمامة، وهذا المنهاج الواضح والفرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية الصحيحة التشيع عليه، وعلى ذلك كان إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه.

وقالت الفرقة الثالثة عشرة: مثل مقالة الفطحية، والفقهاء منهم أهل الورع والعبادة، مثل عبدالله بن بكير بن أعين ونظرائه، فزعموا: أن الحسن بن علي توفي، وأنه كان الإمام بعد أبيه بوصية أبيه إليه، وأن جعفر بن علي هو الإمام بعده، كما كان موسى بن جعفر إماما بعد عبدالله بن جعفر، للخبر الذي روي: أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى، وأن الخبر الذي روي عن الصادق رضي الله عنه: أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه فإنها لا تخرج منه إلى أخيه، بل تثبت في خلفه، وإذا توفي ولا خلف له رجعت إلى أخيه ضرورة، لأن هذا معنى الحديث عندهم، وكذلك قالوا في الحديث الذي روي: أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره، وأقروا: أن جعفر بن محمد رضي الله عنه غسله موسى، وادعوا أن عبدالله أمره بذلك, لأنه كان الإمام بعد عبدالله، فلذلك جاز أن يغسله موسى، فهذه الأخبار بأن الإمام لا يغسله إلا الإمام صحيحة جائزة على هذا الوجه، فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا، والإمام عندهم " جعفر بن علي " على هذا التأويل ضرورة، وعلى هذه الأخبار والمعاني التي وصفناها ...

مما سبق نلاحظ ما يأتي:-

ـ عندما وقفت الناووسية عند الإمام الصادق، واعتبرته القائم المهدي، بدأت في وضع الأخبار التي تؤيد عقيدتها، ولم تستطع أن تقوم بهذا قبل موته.

ـ والإسماعيلية الخالصة قامت بمثل هذا بالنسبة لإسماعيل بن جعفر.

ـ والمباركية جعلت الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر، ويذكر التاريخ تفرقها بعد ذلك لعدة فرق، ومنهم القرامطة الذين زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين، واستباحوا المحارم وجميع ما خلقه الله!! ومع وضوح كفرهم استدلوا بما يؤيد عقيدتهم.

ـ والفرقة الرابعة التي قالت بإمامة محمد بن جعفر، وفي ولده من بعده، وضعت من الأخبار ما يدل على إمامته، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتي بعده.

ـ والفرقة الخامسة وضعت أيضاً من الأخبار ما يدل على إمامة عبدالله بن جعفر، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتي بعده. فلما مات ولم يخلف ذكرا حدث التفرق المذكور، وأنكر القوم ما أنكروا من الروايات، ووضعوا روايات جديدة تتفق مع العقيدة الجديدة، وانظر مثلا إلى هذه الرواية:

قال جعفر لموسى: " يا بني إن أخاك - يقصد عبدالله - سيجلس مجلسي، ويدعي الإمامة بعدي، فلا تنازعه ولا تتكلمن، فإنه أول أهلي الذين لحقوا بي ".

فهذه الرواية التي ذكرت للاستدلال على إمامة موسى بن جعفر لم توضع قبل موت عبدالله بن جعفر، لأن الوضاعين من هؤلاء الشيعة لم يكونوا يعرفون من الذي سيموت قبل الآخر.

ـ والفرقة السادسة التي قالت بإمامة موسى بن جعفر بعد أبيه صارت بعد وفاته خمس فرق.

ولعل في هذا ما يكفى لبيان ما أردت بيانه.

فالشيعة الاثنا عشرية التي نتحدث عنها كانت انبثاقا من إحدى الفرق الخمس السابقة، وخمس الفرق كلها كانت إحدى الفرق الست السابقة. وكل فرقة من الفرق الخمسة افترقت بعد ذلك عدة فرق. وإذا واصلنا المسيرة نجد أن الشيعة اتباع الحسن العسكري - الإمام الحادى عشر عند الاثني عشرية - انقسمت بعد موته إلى ما يقرب من عشرين فرقة، وكل فرقة تضع من الأخبار ما يؤيد عقيدتها الجديدة، ولا يمكن وضع هذه الأخبار قبل وفاة الإمام.

ونلحظ أن كل هذه الفرق أكدت أن الحسن العسكري لا خلف له ما عدا فرقة مع فرقة الإمامية.

ومعنى هذا أن الشيعة الاثني عشرية لم تبدأ في وضع الأخبار التي تتصل بالاثني عشر إماما إلا بعد الحسن العسكري، أي في النصف الثاني من القرن الثالث. وبعد هذا تبدأ مرحلة الكتب.

والواقع العملي يؤيد ما بينته هنا، فكتب الحديث الأربعة المعتمدة عندهم أولها ظهر في القرن الرابع، وهو الكافي، ثم جاء بعده باقي الكتب.

المصدر:مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص٦٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>