للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: أسماء المعتزلة وعلة تلقيبهم بها]

للمعتزلة أسماء كثيرة منها: ما أطلقه الغير عليهم نكاية بهم، ومنها: ما أطلقوه على أنفسهم، وسنعرض بعض هذه الأسماء مع بيان علة التسمية بها – إن شاء الله –

القسم الأول: ما أطلقه الغير عليهم: ١ - المعتزلة: بمعنى المنشقين، وقد بينا سبب تسميتهم بهذا الاسم عندما تكلمنا على أصل المعتزلة (١).٢ - الجهمية: وسبب تلقيبهم بهذا اللقب، هو أنه لما كانت الجهمية سبقت المعتزلة في الظهور واشتهرت ببعض آرائها، إلا أن سبقها للمعتزلة سبق قريب، ثم لما خرجت المعتزلة كانت قد وافقت الجهمية في مسائل كثيرة، منها: نفي الرؤية والصفات، وخلق الكلام، فكأن توافق الفرقتين جعلهما كالفرقة الواحدة، وبما أن الجهمية أسبق ومسائلها أكثر وبعض مسائل المعتزلة مأخوذة منها، لذا أصبح يطلق على كل معتزلي جهمي، ولا يطلق على كل جهمي معتزلي. ولذلك أطلق أئمة الأثر لفظ الجهمية على المعتزلة فالإمام أحمد في كتابه (الرد على الجهمية) والبخاري في الرد على الجهمية، ومن بعدهما؛ إنما يعنون بالجهمية المعتزلة؛ لأنهم كانوا في المتأخرين أشهر بهذه المسائل من الجهمية (٢).وقال الإمام ابن تيمية (٣) في كتابه (منهاج السنة): "لما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المائة الثالثة على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق، ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله تعالى. . وطلبوا أهل السنة للمناظرة. . لم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط؛ بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية، وأنواع المرجئة، فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا؛ لأن جهما أشد تعطيلا لنفيه الأسماء والصفات. . " (٤). ٣ - القدرية: كذلك يلقب المعتزلة بالقدرية. يقول البغدادي – وهو يسوق ما أجمعت عليه المعتزلة: ". . . وقد زعموا أن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وأنه ليس لله – عز وجل – في أكسابهم وفي أعمال سائر الحيوانات صنع ولا تقدير. ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية (٥). إلا أن المعتزلة لا يرضون بهذا الاسم؛ ولذا يقولون: إنه أولى أن يطلق على القائلين بالقدر خيره وشره من الله تعالى (٦).وقد دافع المقبلي (٧) عن المعتزلة في هذا المقام، ورد على شبهة الذين سموهم بالقدرية، فقال: إذا كان المراد بالقدر نفس العلم الأزلي، فرمي المعتزلة بنفي القدر تقول محض؛ لأن المعتزلة جميعا يقرون به ويثبتونه. . فالمعتزلة إذا يرون أن الذي يثبت القدر لله تعالى أحق أن ينسب إليه من نافيه (٨) ولكن ابن قتيبة (٩) يرى: أن المعتزلة نفوا القدر عن الله وأضافوه إلى أنفسهم، فوجب أن يسموا قدرية، لأن مدعي الشيء لنفسه أحق أن يدعى به (١٠).٤ - الثنوية والمجوسية: يقول المقريزي: إن المعتزلة يدعون الثنوية، لقولهم الخير من الله، والشر من العبد (١١). ولما كان هذا القول يشبه قول الثنوية المجوسية، فإن المعتزلة اكتسبوا علاوة على أسمائهم العديدة اسم المجوسية.


(١) ((الرسالة)) (١٤ - ٢١).
(٢) ((تاريخ الجهمية والمعتزلة)) (٤٤) بتصرف.
(٣) ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (١/ ٣٤)، ((معجم المؤلفين)) (١/ ٢٦١).
(٤) ((منهاج السنة)) (١/ ٢٥٦).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (٩٤).
(٦) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٧).
(٧) ((معجم المؤلفين)) (٥/ ١٤).
(٨) ((العلم الشامخ)) (٢٨٨).
(٩) ((وفيات الأعيان)) (٣/ ٣٢، ٤٣).
(١٠) ((تأويل مختلف الحديث)) (٩٨) ((تاريخ الجهمية والمعتزلة)) (٥٤).
(١١) ((الخطط)) (٤/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>