للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة]

وبعد هذا نرجع إلى أفكار الصوفية الأخرى ومعتقداتهم الخاصة بهم، لنرى التشيع المتستر الظاهر فيها، وتأثيره خفيا جليا ليرى الباحث والقارئ منهل التصوف ومنبعه، مصدره ومأخذه.

فإن الشيعة يرون بأن النبوة لم تختم على محمد صلوات الله وسلامه عليه، حيث لم يكن وحده في زمانه الذي كان ينزل عليه الوحي، ويأتي إليه الملك، ويكلمه الله من وراء حجاب، بل كان هناك شخص آخر في زمانه وبعده، كان له تلك الأوصاف كلها، بل وأكثر منها.

حيث أن رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه لم يكن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو بإرسال رسول، فيوحي بإذنه ما يشاء.

وأما الإمام فكان ينزل عليه الوحي، ويرسل إليه رسول، ويكلمه الله ويناجيه بلا حجاب، وقد أعطى خصالا لم يسبقه إليها أحد، ثم توارث هذه الأوصاف من خلفه بعده إلى خاتم الأئمة.

ولقد ورد في كتب الشيعة الإثني عشرية – لا في كتب الإسماعيلية (١) والغلاة (٢) - وفي أصحها عندهم ما ينصّ على ذلك مثل ما ذكر الكليني – وهو كالبخاري عند أهل السنة – في كافيّه (٣) عن جعفر الصادق – الإمام المعصوم السادس لدى القوم – أنه قال: (ما جاء به عليُّ عليه السلام آخذ به وما نهي عنه انتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقّب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله، كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقرّوا به لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الربّ وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعى فيكسى، وادعى فأكسى ويستنطق واستنطق فأنطق على حد منطقه، ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب ما غاب عني (٤).

ونقل محمد بن حسن الصفار شيخ الكليني وأستاذه، الذي يعدّونه من أصحاب إمامهم الحادي عشر – حسب زعمهم – روايات كثيرة في صحيحه لإثبات نزول الوحي على أئمتهم، ونزول الملائكة عليهم تحت عناوين كثيرة في أبواب شتى، منها ما رواها عن حمران بن أعين أنه قال:

(قلت لأبي عبد الله (جعفر) عليه السلام: جعلت فداك، بلغني أن الله تعالى قد ناجى عليا عليه السلام؟ قال: أجل، قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل (٥).


(١) حيث إن الإسماعيلية يرون النبوة مقتسمة بين محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله عنه، فكان رسول الله محمد ناطقا بينما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه صامتا، وهو الأساس والأصل. فانظر لتفصيل ذلك كتابنا ((الإسماعيلية تاريخ وعقائد)).
(٢) لأنهم يعتقدون أن جبريل اشتبه عليه فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بدل أن ينزل على عليّ رضي الله عنه، وطائفة منهم ترى الألوهية المتجسدة في عليّ رضي الله عنه، لا النبوة فحسب.
(٣) وهو أحد الأصول الأربعة الشيعية، وصحاحهم.
(٤) ((الأصول من الكافي)) (١/ ١٩٦، ١٩٧) ط إيران.
(٥) ((بصائر الدرجات للصفار)) الباب السادس عشر (ص٤٣٠) ط إيران.

<<  <  ج: ص:  >  >>