للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: وحدة اللغة]

وأما بالنسبة لوحدة اللغة؛ أي اختيار لغة واحدة للعالم كله تكون مشتركة فيما بينهم للتفاهم فهي الفكرة التي يتظاهرون بالحرص عليها جداً، ويزعمون أنها لا تتحقق إلا بمباركة المازندراني لها. وهي محاولة مكشوفة لإبعاد المسلمين عن لغة كتاب ربهم بطريقة ماكرة.

وهي إحدى أكاذيب البهائية التي يطالبون فيها العالم بترك تعدد اللغات واختيار لغة واحدة منها، فما هي اللغة التي يجب أن يختارها الناس على حد رغبتهم هل هي لغة القرآن الكريم التي شرفها الله بإنزال كلامه بها؟ أم هي لغة أخرى يستحسنها البهائيون عوضاً عن اللغات كلها وخطاً يستحسنونه على الخطوط كلها، ثم يترك كل ما خالفه بعد ذلك؟ يجيب عن هذا حسين علي المازندراني في كتابه (الأقدس) في قوله: (يا أهل المجالس في البلاد اختاروا لغة من اللغات ليتكلم بها من على الأرض، وكذلك من الخطوط أن الله يبين لكم ما ينفعكم ويغنيكم عن دونكم إنه لهو الفضال العليم الخبير) (١)، وهو يقصد بمن دون الهائية العرب وغيرهم حسب ما عرف عن أهل فارس وتعاليهم على البشر في الزمن القديم. ويقول ابنه عباس أفندي: إن تنوع اللغات من أهم أسباب الاختلاف بين الأمم في أوروبا (٢).وبعد هذه الدعوة العامة لتغيير اللغات والخطوط أيضاً وبالخصوص العربية – يفصح المازندراني بعد ذلك عن اللغة التي يقترحها؛ فإذا بها لغته لا سواها اللغة الفارسية التي قال فيها: (يا قلمي الأعلى بدّل اللغة الفصحى باللغة النوراء (٣)؛ أي اللغة الفارسية التي قال عنها أبو الريحان البيروني: لا تصلح إلا للأخبار الكسروية والأسمار الليلية) (٤).

على أن الفكرة من أساسها يصح وصفها بأنها مجرد خيال ساذج، ويصح كذلك وصفها بأنها فكرة تنبئ عن خبث ونية شريرة، وهي فكرة كذلك مخالفة للفطرة والواقع، ولم يسبق المازندراني أحد من الناس لا الأنبياء ولا غيرهم في مطالبة البشر بالرجوع إلى لغة واحدة هي الفارسية ولا غير الفارسية.

فإن الله أرسل أنبياءه كل نبي بلغة قومه، يدعونهم إلى توحيد الله والخروج عن ما يغضبه عز وجل، والرغبة في هدايتهم إلى الخير والصلاح لتجتمع قلوبهم وتتوحد أفكارهم حول هذا المبدأ، لا مبدأ توحيد اللغات والخطوط، ولو أن العالم كله يتكلم لغة واحدة، لربما فاتتهم مصالح كثيرة.

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الناس على هذا الوصف من تعدد اللغات، والله يعلم أنه لو اتحدت القلوب على العقيدة الصحيحة لزالت بينهم فوراق اللغة، ولما كان لاختلافهم فيها أي وزن، وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة على ذلك؛ فقد جمع الله بين سلمان الفارسي اللغة، وبلال الحبشي اللغة، وصهيب الرومي اللغة، وجعلهم في درجة واحدة مع فضلاء قريش كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم.

فلم يشعروا بأي فارق فيما بينهم، لأن دينهم واحد، وعقيدتهم واحدة، وهدفهم واحد فلم يبق لفارق اللغة أو الجنس أي مكان، وحينما تختلف العقيدة فإن الاتحاد في اللغة والجنس لا يغني ولا يؤلف القلوب.


(١) ((الأقدس ضمن خفايا البهائية)) (ص: ١٨٥).
(٢) ((خطابات عبد البهاء عباس عن بهاء الله والعصر الجديد)) (ص: ١٦٤) نقلاً عن ((البهائية نقد وتحليل)) (ص: ١٢٠).
(٣) ((مجموع ألواح المازندراني)) (ص: ١١٣)، ((البهائية نقد وتحليل)) (ص: ١٢٣).
(٤) انظر: ((البهائية)) لمحب الدين الخطيب (ص: ٢٩)، وقد عزاه إلى مقاله القرآن معجزة بين معجزتين بمجلة ((الفتح)) العدد ٨١١ (ص: ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>