للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كم قد قامت الحروب وسفكت الدماء بين أهل اللغة الواحدة، وأقرب دليل على ذلك هو تلك الحروب التي خاضها العرب في الجاهلية فيما بينهم مع توحد لغتهم، ثم حروب البهائيين مع قومهم الذين يتكلمون بلغتهم من أهل إيران، والحروب الأهلية في كل بلد تقوم فيه.

ولبنان في وقتنا الحاضر أقوى دليل على ذلك حيث يقتل بعضهم بعضاً بأشد أنواع الوحشية، فإن اللغة بحد ذاتها لا تعلم الأخلاق والرحمة والموالاة وجمع الكلمة، ومن هنا فإن اختلاف اللغة ليس بالأمر الهام، واختلاف الألسنة ليس إلا دليلاً على قدرة الباري عز وجل قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [الروم:٢٢] ثم إن الداعي إلى وحدة اللغة المازندراني لم يوحد اللغة حتى في وحيه وألواحه التي نسجها خياله، فكتبه- ما يذكر المطلعون عليها (١) - مليئة من المزيج الفارسي والعربي، فمرة يدعي نزول الوحي باللغة الفارسية، ومرة أخرى باللغة العربية وأحياناً يأتي مختلطاً بالعربية والفارسية، وكلامه على هذا الاتجاه مرة يتكلم بالفارسية وأحياناً باللغة العربية.

ومعنى هذا أن دعواه توحيد اللغة كذب، وتناقضه أكبر دليل على هذا. ويظهر أنه أيقن بعدم نجاح دعوته هذه، وعلم أنه بحاجة إلى تبليغ دعوته البهائية فأذن في تعلم اللغات ليسهل تبليغ البهائية غيرهم فقال: (قد أذن الله لمن أراد أن يتعلم الألسنة المختلفة ليبلغ أمر الله- أي العقيدة البهائية- شرق الأرض وغربها، ويذكره بين الدول والملل على شأن تنجذب الأفئدة ويحيى به كل عظم رميم) (٢)، ومع هذا لا تزال الرغبة في طمس اللغات الأخرى قائمة، وشدة رغبته في طمس اللغة العربية بذاتها يعود إلى عدة عوامل؛ إذ فيها قطع كل صلة للمسلم بدينه، كما أن في إقصائها امتداداً للدين البهائي.

فإذا جهل المسلم لغة دينه جهل بعد ذلك كل أمور دينه، ومن هنا اهتموا بالقضاء عليها بكل ما في عقولهم الحاقدة من حيل، ولم يفلحوا في إنجاح مخططهم ولله الحمد، رغم ما بذلوه من محاولات ولا يزالون، ولم يكونوا وحدهم في ميدان حرب اللغة؛ فلقد تظافرت جهودهم وجهود كل أعداء الإسلام على حربها وإبعادها من قلوب المسلمين.

ومن هنا نجد أن الدعايات ضدها وتشويه سمعتها ووصفها بأنها لغة المستعمرين العرب؛ وأنها لا تفي بحاجة العصر وما إلى ذلك من الدعايات- نجد كل ذلك ظاهراً في كل بلد يوجد به مسلمون من غير العرب، ومن الغرائب أن فرنسا وهي مستعمرة لكثير من البلدان الأفريقية سواء كان الاستعمار ظاهراً أو خفياً تنشر بين المسلمين هناك أن اللغة العربية هي لغة المستعمرين العرب.

ولكن تجد أن المسلمين هناك يضحكون من هذه الدعاية وهم يشعرون أن اللغة العربية أقرب إلى قلوبهم من لغاتهم المحلية، ويحبونها ويحترمونها أشد الاحترام، ويشعرون بكامل السخط والسخرية من انتشار اللغات الأخرى؛ كما يذكر كثير من المسلمين هناك بمجرد أن تبدأ الحديث عن هذا.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٢/ ٦٩٣


(١) وفي المقدمة الشيخ إحسان إلهي رحمه الله، انظر كتابه: ((البهائية)) (ص: ١٢٣).
(٢) ((الأقدس ضمن خفايا البهائية)) (ص: ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>