للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل]

هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط؟

تعريف التأويل في اللغةيطلق التأويل في اللغة على عدة معاني، منها التفسير والمرجع والمصير والعاقبة، وتلك المعاني موجودة في القرآن والسنة: قال الله تعالى هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ [الأعراف: ٥٣] , وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) (١).

تعريفه في الاصطلاح: عند السلف له معنيان:

١ - يطلق بمعنى التفسير والبيان وإيضاح المعاني المقصودة من الكلام، فيقال: تأويل الآية كذا؛ أي معناها.

٢ - يطلق بمعنى المآل والمرجع والعاقبة فيقال هذه الآية مضى تأويلها، وهذه لم يأت تأويلها.

والفرق بينهما: أنه لا يلزم من معرفة التأويل بمعنى التفسير معرفة التأويل الذي هو بمعنى المصير والعاقبة، فقد يعرف معنى النص ولكن لا تعرف حقيقته كأسماء الله وصفاته فحقيقتها وكيفيتها كما هي غير معلومة لأحد بخلاف معانيها.

٣ - وعند الخلف من علماء الكلام والأصول والفقه هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح.

وهذا التأويل مرفوض عند السلف واعتبروه تحريفاً باطلاً في باب الصفات الإلهية، وقد ظهر هذا المعنى للتأويل متأخراً عن عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة، بل ظهر مع ظهور الفرق ودخلوا منه إلى تحريف النصوص، وكانت له نتائج خطيرة؛ إذ كلما توغلوا في تأويل المعاني وتحريفها بعدوا عن المعنى الحق الذي تهدف إليه النصوص، وبالنسبة لموقف الخوارج فإن العلماء اختلفوا في الحكم على الخوارج بأنهم نصِّيُّون أو مؤولون.١ - فذهب بعضهم إلى أن الخوارج نصيون يجمدون على المعنى الظاهر من النص دون بحث عن معناه الذي يهدف إليه، وهذا رأي أحمد أمين (٢) وأبي زهرة (٣).٢ - وذهب آخرون إلى أن الخوارج يؤولون النصوص تأويلاً يوافق أهوائهم، وقد غلطوا حين ظنوا أن تأويلهم هو ما تهدف إليه النصوص، وعلى هذا الرأي ابن عباس وشيخ الإسلام ابن تيمية (٤).وابن القيم (٥).٣ - ومن العلماء من ذهب إلى القول بأن الخوارج ليسوا على رأي واحد في هذه القضية؛ بل منهم نصيون ومنهم مؤولون، كما ذهب إلى هذا الأشعري في مقالاته (٦).

وهذا هو الراجح فيما يبدو من آراء الخوارج، ولا يقتصر الأمر على ما ذكره من اعتبار بعض الفرق نصيين وبعضهم مؤولين مجتهدين، وإنما يتردد أمر الخوارج بين هذين الموقفين داخل الفرقة الواحدة، والواقع أن لكل من المواقف الثلاثة ما يبرر حكمهم على الخوارج، كما يتضح ذلك جلياً في مواقف الخوارج المختلفة.

ويبدو لي أن التأويل الذي نفاه الأستاذ أحمد أمين والشيخ أبو زهرة رحمهما الله إنما هو التأويل الصحيح الذي يفهم صاحبه النص على ضوء مقاصد الشريعة.

وأما التأويل الذي يثبته للخوارج أصحاب الاتجاه الثاني ويذمونهم به –فهو حمل الكلام على غير محامله الصحيحة وتفسيره تفسيراً غير دقيق.


(١) روى البخاري شطره الأول (١٤٣)، ورواه أحمد (١/ ٢٦٦) (٢٣٩٧)، والطبراني (١٠/ ٢٣٨)، وابن حبان (١٥/ ٥٣١)، والحاكم (٣/ ٦١٥). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٨/ ٢٩٩): ثابت. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٧٩): لأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح. وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (٥/ ٢٧٩): رواه أحمد بإسناد لا بأس به وبعضه في الصحيح. وقال الألباني في ((تصحيح العقائد)) (١٦٧): إسناده صحيح وهو في الصحيحين دون قوله: (وعلمه التأويل).
(٢) ((ضحى الإسلام)) (٣/ ٣٣٤).
(٣) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (١/ ٦٦).
(٤) ((النبوات)) (ص٨٩).
(٥) ((النونية)) (ص٨٥).
(٦) ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>