للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كنا نجد من الواجب علينا أن نختم هذه الكلمة بالإشارة إلى تلك الصعوبة التي شرحناها في مقدمة هذا البحث، وهي أننا في كثير من الأحيان نأخذ آراء الخوارج من كتب غيرهم، وفيما يتعلق بهذه المسألة بالذات فإنه لم يقع لي فيما اطلعت عليه من كتب الخوارج المطبوعة والمخطوطة نص فيها، وإنما رجحنا كفة الفريق الأول من العلماء لما قدمناه من مبررات. وإذا أردنا أن نضع الاتجاه العقلي في ميزان الإسلام؛ فالواجب في هذا المقام أن يقال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية من أن "ما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر وأمرت به من تفاصيل الشرائع لا يعلمه الناس بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم، وإن كانوا قد يعلمون بعقولهم جمل ذلك" (١).ويجب أن يعتقد كل مسلم أن لا حسن ولا قبح ولا عقل في مقابلة الشرع، فإذا صح النص عن الله تعالى أو عن رسوله؛ وجب التسليم له دون معارضته بأي نوع من المعارضة، فإن معارضة العقل للنقل خطأ واضح معلوم الفساد كما قال ابن القيم رحمه الله (٢).

وأخيراً فإن مذهب السلف في هذا الباب هو الاعتقاد بأنه ليس في فعل من الأفعال معنى حسن يقتضي وجوبه أو ندبه أو ثواب فاعله أو معنى قبيح يقتضي كراهيته وحرمته وجزاء ذلك، بل الأفعال كلها سواسية، بل حسن الفعل هو أمر الله تعالى به، وقبحه هو نهي الله تعالى عنه، وليس فيه معنى يوجب ذلك حتى لو أمر بشيء كان حسناً، فإذا ما نهى عنه بعد ذلك صار قبيحاً، وبالعكس إذا نهى عن أمر كان قبيحاً، فإذا أمر به بعد ذلك كان حسناً، ولا سبيل إلى العلم بذلك إلا بالشرح والوحي.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٥٣


(١) ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (٣/ ١١٥).
(٢) انظر: ((مختصر الصواعق)) (ص٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>