للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع عشر: التقية]

من أهم المبادئ الشيعية وأسسهم ومعتقداتهم الإخفاء والكتمان، وإظهار ما لا يعتقدونه في السر، وإعلان ما يبطنون خلافه، وهذا من أخطر ما يؤمن به الشيعة، ويميزهم من الطوائف المسلمة الأخرى، ويحول بينهم وبين الالتقاء بهم، لأنه لا يعلم ظاهرهم من باطنهم، وكذبهم من صدقهم، كما قال السيد محب الدين الخطيب: (وأول موانع التجاوب الصادق بالإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية، فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب، وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

(النفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين: أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصادق أنه قال: التقية ديني ودين آبائي، وقد نزّه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان، وكان دينهم التقوى، لا التقية (٢).

فهناك روايات كثيرة فوق الحصر، التي أوردها الشيعة في كتبهم لاعتناق هذه العقيدة من أئمتهم المعصومين، ونحن أوردنا العديد منها في كتابنا (الشيعة والسنة)، وخصصنا بابا مستقلا لبيان هذا المبدأ وأهميته عند القوم، كما عقدنا فصلا مستقلا في كتابنا الجديد (بين الشيعة وأهل السنة) لهذا الموضوع، فمن أراد التعمق والتفصيل فليرجع إليهما، ولكن نذكر هنا روايتين عن القوم:

روى الكشي عن حسين بن معاذ بن مسلم النحوي: (عن أبي عبد الله قال: (قال لي (أبو عبد الله): بلغني أنك تقعد في الجامع، فتفتي الناس؟ قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج أني أقعد في الجامع، فيجيء الرجل، فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف أخبرته بما يقولون ... قال (أي معاذ بن مسلم) فقال لي (أبو عبد الله): اصنع كذا، فإني اصنع كذا (٣) ز

ورواية أخرى رواها الكليني عن جعفر أنه قال لأصحابه معلى بن خنيس: (يا معلى، أكتم لأمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده في الجنة.

يا معلىّ، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار. يا معلى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له (٤).

وعلى ذلك قال صدوقهم ابن بابويه القمي: (اعتقادنا في التقية أنها واجبة، لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم، ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة (٥).

وقال مفيدهم: (التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذن علم بالضرورة أو قوي في الظن (٦).

فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا به، وعيّروا عليه، وطعنوا فيه.


(١) ((الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها مذهب الشيعة الإثني عشرية)) (ص ٨) الطبعة السادسة.
(٢) ((منهاج السنة النبوية)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ١٥٩) ط باكستان.
(٣) ((رجال الكشي)) (ص ٢١٨) تحت ترجمة معاذ بن مسلم ط مؤسسة الأعلمي كربلاء العراق.
(٤) ((الأصول من الكافي)) للكليني (٢/ ٢٢٣، ٢٢٤) ط إيران.
(٥) ((الاعتقادات)) لابن بابويه القمي (ص ٤٤).
(٦) ((شرح اعتقادات الصدوق)) فضل التقية (ص ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>