للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:]

لقد أيد المعتزلة رأيهم في الوعيد بشبهات نقلية وعقلية، وسنعرض - إن شاء الله - ما تيسر منها، مع المناقشة.

الشبهة الأولى:

بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٨١].

وجه الدلالة: يقول القاضي: "دلت الآية على أن من غلبت كبائره على طاعاته - لأن هذا هو المعقول من الإحاطة في باب الخطايا؛ إذ أن ما سواه من الإحاطة التي تستعمل في الأجسام مستحيل فيها - هو من أهل النار مخلد فيها" (١).

المناقشة: يقول ابن كثير: الآية رد على بني إسرائيل الذين زعموا أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة بأن الأمر ليس كما زعموا؛ بل إن من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنة، بل جميع أعماله سيئات، فهو من أهل النار. قال ابن عباس: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ... الآية [البقرة: ٨١] أي: عمل مثل عملكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط به كفره فما له من حسنة" (٢).ويقول القرطبي: "السيئة: الشرك. قال ابن جريج قلت لعطاء: وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ... الآية [النمل: ٩٠] ... " (٣).ومما يؤيد قول القرطبي: في أن المراد بالسيئة هنا: الشرك قوله تعالى: ... وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ .... الآية [البقرة: ٨١]، أي: أحاطت بعاملها فلم تدع له منفذاً، وهذا لا يكون إلا في الشرك، فإن من معه من الإيمان شيء لا تحيط به خطيئته (٤).

وعلى هذا: فلا حجة في الآية على خلود صاحب الكبيرة في النار؛ لأن الإحاطة - كما ذكرنا - إنما تصح في شأن الكافر؛ لأن غيره إن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه، فلم تحط به خطيئته، لكون قلبه ولسانه منزهاً عن الخطيئة. وبهذا يظهر بطلان استدلال المعتزلة بالآية. والله أعلم.

الشبهة الثانية:

قال تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف: ٧٤].


(١) ((متشابه القرآن)) (١/ ٩٧).
(٢) ((مختصر تفسير ابن كثير)) (١/ ٧١).
(٣) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ١٢).
(٤) ((تفسير ابن سعدي)) (١/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>