للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الاستدلال: يقول القاضي عبدالجبار: "إن المجرم اسم يتناول الكافر والفاسق جميعاً، فيجب أن يكونا مرادين بالآية معنيين بالنار؛ لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه، فلما لم يبينه دل على أنه أرادهما جميعاً. ثم قال: والكلام في أن اسم المجرم يتناول الكافر والفاسق جميعاً ظاهر في اللغة والشرع جميعاً. أما من جهة اللغة؛ فلأنهم لا يفرقون بين قولهم: مذنب، وبين قولهم مجرم، فكما أن المذنب شامل لهما جميعاً، فكذلك المجرم. وأما من جهة الشرع: فلأن أهل الشرع لا يفرقون بين قولهم مجرم لزناه، وبين قولهم: فاسق لزناه ... " (١).ويقول في موضع آخر - بعد سياق هذه الآية -: "الآية تدل على أن الوعيد بالخلود لأنه لم يخص مجرماً من مجرم، وبين أنهم خالدون في النار، والخلود هو الدوام الذي لا انقطاع له" (٢).أولاً: المقصود بالمجرمين هنا: الكافرين: يقول ابن جرير - عند تفسير هذه الآية-: " ... إِنَّ الْمُجْرِمِينَ وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله .. " (٣). ويؤيد كونها في الكافر: ما ذكره الرازي في معرض الرد على استدلال المعتزلة بهذه الآية حيث قال: "إن ما قبل هذه الآية وما بعدها يدل على أن المراد بالمجرمين الكافرين. أما ما قبل هذه الآية: فقوله تعالى: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف: ٦٨ - ٦٩]. فهذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكانوا مسلمين، فإنهم يدخلون تحت قوله تعالى: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف: ٦٨]. والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله تعالى وبآياته وأسلم، فوجب أن يكون داخلا تحت ذلك الوعد ووجب أن يكون خارجاً عن هذا الوعيد. وأما ما بعد هذه الآية، فقوله تعالى: لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف: ٧٨]. والمراد بالحق ههنا؛ إما الإسلام؛ وإما القرآن، والرجل المسلم لا يكره الإسلام، ولا القرآن ... " (٤) فثبت أن ما قبل هذه الآية وما بعدها يدل على أن المراد من المجرمين: الكفار. والكافر ليس محل نزاع في أنه من أهل النار مخلداً فيها؛ وبذلك يبطل استدلالهم بالآية على خلود صاحب الكبيرة في النار.

ثانياً: على التسليم بعموم الآية، وأنها ليست خاصة بالكفار، فإنها مخصصة بنصوص العفو والتوبة، والنصوص الدالة على خروج الموحدين من النار، كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: ٢٥]. وكقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠].وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة .. ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ... الحديث)) (٥).


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٦٠ - ٦٦١).
(٢) ((متشابه القرآن)) (٢/ ٦٠٩).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٢٥/ ٩٨)، وانظر ((زاد المسير)) (٧/ ٣٢٩)، و ((تفسير أبي السعود)) (٥/ ٤٩).
(٤) ((التفسير الكبير)) (٢٧/ ٢٢٦).
(٥) رواه البخاري (٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>