للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعارضة بنصوص الوعد، كقوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: ٧]. وكقوله تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام: ١٦٠].وترجيح عمومات الوعد أولى؛ لأنها أدخل في باب الكرم من عمومات الوعيد. ولأنه اشتهر أن رحمة الله سابقة على غضبه، فكان ترجيح عمومات الوعد أولى (١).

وبهذا يتبين بطلان استدلال المعتزلة بهذه الآية. والله أعلم.

الشبهة الثالثة:

قال تعالى: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ [الانفطار: ١٤ - ١٦].

وجه الاستدلال: يقول القاضي عبدالجبار: " ... الآية تدل على أن الفاجر وإن كان من أهل الصلاة فهو من أهل الوعيد ومن أهل النار، وأنه إذا لم يتب ومات على ذلك فهو في الجحيم لا يغيب عنها، وذلك يدل على الخلود؛ لأنهم إذا لم يغيبوا عنها ولا لحقهم موت وقتاً فليس إلا العذاب الدائم ... " (٢).

المناقشة: أولاً: المراد بالفجار: هم الكفار. يقول الطبري - رحمه الله - عند تفسير هذه الآية: "المراد بالفجار: الذين كفروا بربهم ... " (٣).ويقول ابن الجوزي: "قوله تعالى: وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ يدل على تخليد الكفار ... " (٤).ومما يدل على أن المراد بالفجار: هم الكفار لا غيرهم قوله تعالى - في حق الكفار-: أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: ٤٢]. يقول الرازي: لا يخلو إما أن يكون المراد أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ وهم الفجرة. والأول: باطل؛ لأن كل كافر هو فاجر بالإجماع، فتقييد الكافر بالكافر الذي يكون من جنس الفجرة عبث. وإذا بطل هذا القسم، بقي القسم الثاني؛ وذلك يفيد الحصر، وهو أن الفجرة هم الكفرة فقط. وإذا دلت الآية على أن الفجرة هم الكفرة لا غيرهم؛ ثبت أن صاحب الكبيرة ليس بفاجر على الإطلاق (٥)؛ وعلى ذلك فليس في الآية دلالة على خلود صاحب الكبيرة في النار، لأنها في الكافر. والله أعلم.

ثانياً: لو سلمنا أن الفاجر يدخل تحته الكافر والمسلم، لكن قوله تعالى: وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ [الانفطار: ١٦]. معناه: أن مجموع الفجار لا يكونون غائبين، ونحن نقول بموجبه، فإن أحد نوعي الفجار وهم الكفار لا يغيبون، وإذا كان كذلك؛ ثبت صدق قولنا وهو: أن الفجار بأسرهم لا يغيبون، ويكفي فيه ألا يغيب الكفار، فلا حاجة في صدقه إلى أن لا يغيب المسلمون.

وأيضاً: فإن الآية معارضة بالنصوص الدالة على العفو مثل قوله تعالى: ... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ... [النساء: ٤٨] وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: ٢٥]. والترجيح معنا؛ لأن دليلهم لابد أن يتناول جميع الفجار في جميع الأوقات؛ وإلا لم يحصل مقصودهم، فهو عام.

الشبهة الرابعة:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: ١٠].


(١) ((التفسير الكبير)) (٣/ ١٧١).
(٢) ((متشابه القرآن)) (٢/ ٦٨٢).
(٣) ((جامع البيان)) للطبري (٣٠/ ٥٦).
(٤) ((زاد المسير)) (٩/ ٤٩).
(٥) ((التفسير الكبير)) (٣١/ ٨٤، ٨٥)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>