للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الاستدلال: يقول القاضي عبدالجبار: "الآية تدل على أن الفاسق من أهل الصلاة متوعد بالنار، وأنه سيصلاها لا محالة ما لم يتب، لأن الذي يأكل أموال اليتامى ليس هو الكافر فلا يصح حمله عليه، ويجب كونه عاماً في كل من هذا حاله، والأغلب ممن يوصف بذلك أن يكون من أهل الصلاة وأقل أحواله أن يدخل الجميع فيه، فيجب أن يقال بعمومه ... " (١).

المناقشة: لقد رد القرطبي استدلال المعتزلة بهذه الآية على تخليد صاحب الكبيرة في النار فقال - عند تفسير هذه الآية -: "ولا حجة فيها لمن يكفر بالذنوب، والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة فيصلى ثم يحترق ويموت، بخلاف أهل الشقاء؛ فإنهم لا يموتون ولا يحيون. لما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم: (( ... أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فأماتهم الله إماته حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل)) (٢).ساقط بالمشيئة عن بعضهم لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ... الآية [النساء: ٤٨]. فالآية تدل على أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده ... " (٣).

من رد القرطبي يتبين أن صاحب الكبيرة إما أن يعذب مدة ثم يخرج من النار ويدخل الجنة كما يدل الحديث، أو يعفى عنه بمشيئة الله، كما تدل الآية. وعلى ذلك فإنه لا يخلد في كلام الحالتين. وبهذا يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية. والله أعلم.

الشبهة الخامسة:

قال تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: ٩٣].يقول القاضي عبدالجبار: "ووجه الاستدلال هو أنه تعالى بين أن من قتل مؤمناً عمداً جازاه الله جهنم خالداً فيها وعاقبه وغضب عليه ولعنه ... وفي ذلك ما قلناه" (٤).

ويقول في موضع آخر: "وقوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... الآية [النساء: ٩٣]، يدل على أن قتل المؤمن على وجه التعمد يستحق به الخلود في النار ... إلى أن قال: ولا يمكن حمل الكلام في الآية على الكافر إذا قتل متعمداً من وجهين:

الأول: أنه عام؛ لأن لفظة "من" إذا وقعت في المجازاة كانت شائعة في كل عاقل. الثاني: أنه تعالى جعل ذلك جزاء لهذا الفعل المخصوص، ولا يعتبر بحال الفاعلين، بل يجب متى وقع من أي فاعل كان أن يكون هذا الجزاء لازماً له ... " (٥).


(١) ((متشابه القرآن)) (١/ ١٧٨).
(٢) ((صحيح مسلم)) (١٨٥).
(٣) ((تفسير القرطبي)) (٥/ ٥٤).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٥٩).
(٥) ((متشابه القرآن)) (١/ ٢٠١، ٢٠٢)، وانظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>